من أجل رغيف ساخن .. شباب غزة في مواجهة القنص والموت

mainThumb
من أجل رغيف ساخن.. شباب غزة في مواجهة القنص والموت

13-04-2025 10:06 AM

printIcon

أخبار اليوم - يتسلل الشاب خميس بحور (22 عامًا) بخفة نحو التلال الرملية القريبة من السياج الفاصل شرق حي الشجاعية شرقي مدينة غزة. خطواته حذرة، وعيناه تراقبان السماء والأرض معًا؛ فهناك تحوم طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وهنا تنتشر أعين القناصة، في حين لا يحمل هو سوى كيس خشن وحبل، وأمل بأن يعود بما يكفي من الحطب لتشعل به والدته نار الموقد. منذ توقّف إمداد غزة بغاز الطهي مطلع مارس الماضي، وجد بحور نفسه مسؤولًا عن تأمين بدائل آمنة للطهو، بعدما نفد آخر ما تبقى في أسطوانة الغاز التي كانت العائلة تعتمد عليها. في ظل الحصار المشدّد، وانعدام البدائل، بات خيار جمع الحطب من المناطق الحدودية هو الوسيلة الوحيدة.

يقول بحور، وهو يجمع الأغصان اليابسة، لصحيفة "فلسطين": "نعلم أننا تحت الخطر في كل لحظة، لكن ماذا عسانا أن نفعل؟ لا كهرباء، لا غاز، ولا قدرة لنا على شراء الحطب من السوق، فأسعاره تضاعفت، ولم نعد نملك شيئًا." يمسح جبينه المتعرق ويتابع: "أمي توقظني كل فجر وتقول: يا خميس، أحضر لنا ما نطهو عليه، لا أستطيع أن أرى إخوتك الصغار جائعين. أذهب وأنا أودّعها وكأنني في طريقي إلى معركة." ورغم علم بحور المسبق بالمخاطر، إلا أن تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخيارات يدفعانه للاستمرار: "منطقتنا قريبة جدًا من الحدود، وأحيانًا يطلق الجنود الرصاص باتجاهي عندما يرونني." ويتابع: "قبل أسبوعين، كدت أُصاب برصاصة قناص. سمعتها تخترق الهواء بجانبي، ثم ارتطمت بصخرة خلفي. ركضت بأقصى ما أملك من قوة، واختبأت خلف ساتر ترابي. كان يمكن أن أكون الآن جثة، لكن الله كتب لي عمرًا جديدًا."

يشير بيده نحو التلال القريبة ويقول: "رغم الحادثة، عدت بعدها بأيام. كنت خائفًا، نعم، لكن ماذا أفعل؟ إخوتي كانوا ينتظرونني، وأمي لا تملك إلا دعاءها." والدة خميس، الحاجة أم خميس، تحاول أن تخفي دموعها وهي تتحدث عن خوفها الدائم على ابنها: "أقف عند باب المنزل وأتابع الأفق بعيني، أعدّ الساعات إلى أن يعود. في كل مرة يتأخر فيها، يتوقف قلبي. كل ما نريده هو نار نطهو بها الطعام، فهل أصبحت هذه الأمنية ثمنها حياة أولادنا؟" في بيتهم المتواضع في حي الشجاعية، تقف أم خميس أمام موقد طيني صنعه زوجها من الطين والحجارة. تضع فوقه قدرًا من العدس، بينما يتصاعد الدخان من الحطب الرطب، مخنقًا أنفاس الصغار.

"دخان الحطب يحرق العيون، ويفاقم سعال طفلتي الصغيرة التي تعاني من الربو، لكن لا خيار أمامنا،" تضيف الأم بأسى. على مشارف بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حيث تتداخل الأراضي الزراعية مع المناطق التي يتواجد بها جيش الاحتلال، يسير الشاب عبد الله المصري (26 عامًا) كل صباح نحو الحقول الحدودية، حاملًا فأسا صغيرة وكيسًا من الخيش، ليجمع ما يستطيع من الحطب اليابس، ويعود به إما لاستخدامه في طهو طعام أسرته، أو لبيعه في السوق. يقول المصري لـ"فلسطين" بينما ينقل الحطب على ظهره إلى عربته اليدوية: "لم أعد أبحث عن وظيفة، ولا حتى عن مساعدات. كل ما أملكه الآن هو هذه الفأس، وبعض الشجاعة، ومكان أعرفه قرب الحدود مليء بالأغصان المقطعة من القصف."

خسر عمله في أحد المصانع شمال القطاع بعد بدء الحرب، وتوقفت كل مصادر الدخل، فوجد نفسه مضطرًا للبحث عن وسيلة للعيش في ظل الحصار الخانق. لجأ إلى جمع الحطب وبيعه في أسواق مدينة غزة، رغم علمه بالخطر الداهم في تلك المناطق. وأضاف المصري: "أسمع أزيز الطائرات وطلقات الرصاص كثيرًا. أحيانًا نضطر للاختباء خلف جدار مهدّم أو حفرة. أعرف أنني في مرمى القناصة، لكن لا خيار أمامي. لدي أم مريضة وثلاثة إخوة أصغر مني، ومن دون هذا العمل لن نستطيع شراء الخبز." يبيع المصري الحطب بالكيلوغرام في أحد الأسواق الشعبية، ويقول إن الطلب ازداد بشكل كبير منذ توقف إدخال الغاز: "قبل الحرب، كان سعر كيلو الحطب لا يتجاوز 2 شيكل، أما الآن فقد ارتفع إلى 6 شواقل، وهناك من يشتري حتى الحطب الرطب." ويضيف بأسى: "في السابق، كان الناس يشترون الحطب للمنقل أو الرحلات، أما اليوم، فهم يشترونه ليطهو به طعام أطفالهم. إنها نار الجوع لا الرحلات." في مدينة غزة، يقول بائع الحطب غالي أبو فول لصحيفة "فلسطين" إن أسعار الحطب تضاعفت ثلاث مرات خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب ندرة المعروض وازدياد الطلب من آلاف العائلات التي فقدت مصادر الطهي. ويوضح: "حتى بقايا الأخشاب ومخلفات النجارة صارت تُباع. الناس يشعلون أي شيء يمكن أن يولّد نارًا، حتى الكرتون والبلاستيك، رغم خطر دخانه."




فلسطين أون لاين