التحدي الإعلامي في الأزمات إدارة واحتواء المعلومة كجزء من الأمن الوطني

mainThumb
التحدي الإعلامي في الأزمات إدارة واحتواء المعلومة كجزء من الأمن الوطني

13-04-2025 09:17 AM

printIcon

ممدوح سليمان العامري

في زمنٍ تتسارع فيه الأخبارُ بلمحِ البصر، وتتشكلُ الرواياتُ العامةُ من منشورٍ على فيسبوك أو تغريدةٍ عابرة، أصبحت إدارةُ المعلومةِ في الأزماتِ إحدى أبرز التحديات التي تواجه الدول، خاصةً في ظل تعدّد مصادر النشر، وتداخل الإعلام التقليدي مع الرقمي، وظهور مفهوم "المواطن الصحفي". في هذا السياق، لم تَعُد السيطرةُ على الخبرِ هدفاً للدولة، بل بات المطلوبُ هو احتواء المعلومة وتوجيهها دون المساس بحرية التعبير أو مصداقية الخطاب الرسمي.

أحداثٌ مثل انفجار حمّامات ماعين، أو اعتراض المسيّرات في الأجواء الأردنية، تؤكّد أننا دخلنا مرحلةً جديدة من "الأمن الإعلامي المُركّب"، الذي يستوجب تكاملاً حقيقيًّا بين الجهد السياسي، الأمني، والإعلامي على حدٍّ سواء.

أولًا: لماذا إدارة المعلومة مهمة؟

لأن المعلومات، لا سيما في وقت الأزمات، ليست مجرد بيانات تُنشر، بل هي وقائعُ تصنع اتجاهات الرأي العام، وتؤثّر في الأمن القومي، وتُعيد تشكيل الثقة بين الدولة والمواطن.

المعلومة غير المُدارة قد تُحدث ذُعرًا شعبيًا، أو ارتباكًا في التصرف الرسمي. وقد تُفضي إلى تشكيكٍ واسع في الرواية الرسمية، إذا تأخّرت أو غابت، وتُغذّي بذلك نظريات المؤامرة، وتفتح المجال أمام الإعلام المعادي لصياغة المشهد لصالحه.

ثانيًا: المفارقة الإعلامية – الفجوة بين الواقع والرواية
في الحوادث المفاجئة، كـسقوط طائرة مُسيّرة أو انفجار غامض، قد ينشأ فراغٌ معلوماتي، وسرعان ما يُملأ هذا الفراغ برواياتٍ غير دقيقة، أو حتى مغرضة.
الإعلام المعادي، أو غير المسؤول، يتغذّى على الصمت الرسمي، ويحوّل المجهول إلى مادة لتضخيم الأزمة وتشويه الوقائع.
في المقابل، حين تمتلك الدولة نظامًا استباقيًا لإدارة الأزمات إعلاميًا، فإنها تحافظ على وعي الجمهور، وتمنع تشكّل رواياتٍ موازية تُربك المشهد، أو تُفقد مؤسسات الدولة هيبتها.
ثالثًا: أدوات احتواء المعلومة لإدارة المعلومة واحتوائها بنجاح، لا بد من أدوات واستراتيجيات فعّالة، تشمل:
- الجاهزية الإعلامية المسبقة عبر غرف عمليات للرصد والتحليل والتقييم الفوري للمخاطر الإعلامية.
- سرعة الاستجابة من خلال تقديم معلومة أولية واضحة وسريعة، حتى لو كانت محدودة، لإغلاق باب الشائعات.
- توحيد الخطاب الرسمي وتنسيق الرسائل بين المؤسسات المعنيّة (القوات المسلحة، الإعلام، الخارجية، …).
- الشراكة مع الإعلام المهني لتقديم سرديّة وطنية متوازنة ومُقنعة.
- الاستثمار الذكي في المنصات الرقمية: للوصول المباشر إلى الجمهور، دون وسيط قد يُشوّه الرسالة.
رابعًا: المواطن شريك في المعادلة الإعلامية في العصر الرقمي، حيث لم يَعُد المواطن مستهلكًا للمعلومة فحسب، بل منتِجًا لها ومؤثرًا في انتشارها. ولهذا، فإن تمكينه من الوصول إلى المعلومة الدقيقة يُحوّله إلى شريك في الأمن الوطني، لا أداةً للفوضى أو الإشاعة. وهذا يتطلب: رفع مستوى الوعي الإعلامي لدى الجمهور، وتوسيع دائرة الشفافية الحكومية، وتبنّي حملات توعية وطنية لمواجهة التضليل الرقمي.
خامسًا: الإعلام الوطني في المواجهة ينبغي أن يُدرك الإعلام الأردني، الرسمي والخاص، أنه يقف في الصف الأول لمواجهة حرب الروايات، خصوصًا مع تنامي الإعلام السيبراني المعادي، وظهور منصّات تُدار من خارج الحدود لتشويش القرار الوطني. ولذلك تبرز الحاجة إلى: صحافة تحليلية احترافية تُفسّر ولا تكتفي بالنقل واعادة النشر. كذلك الحال في ضرورة وجود كوادر إعلامية مدرّبة على إدارة الأزمات وتقدير المخاطر. ومن المهم ايضا تعزيز ثقة المواطن بالمصدر المحلي، كي لا يلجأ إلى الإعلام الأجنبي بحثًا عن الحقيقة.
بقي ان اقول ان إدارة المعلومة لم تعد ترفًا، ولا خيارًا، بل أصبحت ضرورةً أمنية واستراتيجية. ففي زمن الانكشاف التام، اصبحت السرعة والدقة والشفافية أهم من السريّة والصمت، فكل أزمة لا تُدار إعلاميًا باحتراف ومهنية عالية تتحول إلى أزمة مضاعفة في وعي الناس، ومن هنا، فإن بناء منظومة إعلامية وطنية مرنة، ذكية، وفاعلة، هو جزءٌ لا يتجزأ من منظومة الدفاع عن الدولة، تمامًا كما هو حال الدفاع بمفهومه العسكري أو الأمني. فالمعلومة الدقيقة قد تنقذ بلدًا من الفوضى، فيما قد تجرّ المعلومة المغلوطة وطنًا إلى التيه والضياع.