غزَّة تحت الحصار .. حين يتحوّل التجويع إلى سلاح حرب

mainThumb
غزَّة تحت الحصار.. حين يتحوّل التجويع إلى سلاح حرب

10-04-2025 12:41 PM

printIcon

أخبار اليوم - في قطاع غزة، لا يفتك الموت بالمواطنين فقط بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي، بل يمتد بأنياب الجوع الذي يخنق أكثر من مليوني إنسان. فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يتعرض القطاع لحرب إبادة ممنهجة، لم تقتصر على القصف والتدمير، بل تجاوزتها إلى إغلاق المعابر بالكامل، ومنع دخول الغذاء والدواء، وقطع امتدادت الكهرباء والمياه، في محاولة إسرائيلية واضحة لخلق واقع معيشي لا يُحتمل، يدفع المدنيين نحو التهجير القسري.

ووصف المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الحصار المفروض على قطاع غزة بأنه "يرتقي إلى مستوى العقاب الجماعي، ويمكن اعتباره استخدامًا للتجويع كسلاح حرب، لافتًا إلى أن برنامج الأغذية العالمي سيوزع آخر طروده الغذائية المتوفرة خلال اليومين المقبلين، فمن ينجو من الموت قصفًا، حتمًا سيقع في فخ الموت جوعًا، وربما رُعبًا ومرضًا. وكانت جمعية أصحاب المخابز في قطاع غزة أعلنت عن إغلاق كل المخابز العاملة مع برنامج الغذاء العالمي، بفعل نفاد كلّ الإمدادات اللازمة للعمل على مدار شهر من الإغلاق الكامل والذي بدأ منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي. سياسة ممنهجة ويرى الحقوقي الفلسطيني فؤاد بكر أن (إسرائيل) تستخدم التجويع ضد سكان قطاع غزة كأداة للضغط على المقاومة وإضعاف قدرتها على الصمود، حيث تسعى من خلال فرض الحصار الخانق إلى إحداث انهيار اجتماعي واقتصادي يؤدي إلى تفكيك النسيج المجتمعي وزيادة الفوضى الداخلية. وأوضح بكر لـ "فلسطين أون لاين"، أن الاحتلال يهدف من هذه السياسة إلى دفع السكان نحو التهجير القسري عبر خلق ظروف معيشية غير محتملة، ما يخدم مخططاته الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

وكان المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، قد وافق في 22 من مارس/آذار الماضي، على مقترح تقدم به وزير جيش الاحتلال، "يسرائيل كاتس"، بإنشاء "وكالة خاصة للهجرة الطوعية (المزعومة) لسكان قطاع غزة" إلى دولة ثالثة. ويؤكد بكر أن (إسرائيل) لا تكتفي بممارسات التجويع كوسيلة للضغط على الفلسطينيين فقط، بل تسعى أيضًا إلى استخدام الوضع الإنساني المتدهور كورقة ضغط في الساحة الدولية لتحقيق مكاسب سياسية وتفاوضية لصالحها. ويضيف أن هذا الضغط على السكان يهدف أيضًا إلى كسر روحهم المعنوية عبر تجريدهم من أبسط مقومات الحياة، لفرض واقع جديد يضمن السيطرة الإسرائيلية على المنطقة بشكل دائم. أما على الصعيد القانوني، فقد شدد بكر على أن سياسة التجويع التي تنفذها (إسرائيل) تُعد جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي الإنساني، حيث تحظر اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين في أي نزاع مسلح. وأشار إلى أن المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 ترفض تجويع السكان المدنيين كأداة حرب، كما تمنع تدمير أو تعطيل الموارد الأساسية مثل الغذاء والمياه والمحاصيل الزراعية.

كما أوضح بكر أن المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تصنف سياسة التجويع عملاً إجراميًا إذا استخدم عمدًا لإبادة السكان أو للضغط عليهم سياسيًا وعسكريًا. ورغم ذلك، فإن المجتمع الدولي يواجه صعوبات كبيرة في محاسبة (إسرائيل) على هذه الانتهاكات بسبب المصالح السياسية التي تعيق تنفيذ القانون، مما يسمح باستمرار هذه الممارسات دون رادع حقيقي.

وأكد أن سياسة التجويع التي تنفذها (إسرائيل) ضد المدنيين في غزة تمثل جريمة حرب ينبغي أن يعاقب عليها القانون الدولي، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والتحرك لوضع حد لهذه الانتهاكات المستمرة. جريمة موصوفة في نظام روما وفي السياق ذاته، أكد الخبير في القانون الجنائي الدولي، د. عصام عابدين، أن استخدام الاحتلال الإسرائيلي التجويع كسلاح ضد السكان في قطاع غزة، يُعد جريمة حرب موصوفة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وأوضح عابدين لـ "فلسطين أون لاين"، أن المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة تصنّف "التجويع" كجريمة حرب موصوفة بأركانها وعناصرها القانونية، مشيرًا إلى أن إدراج هذه الجريمة ضمن القانون الدولي يعكس خطورة استخدامها ضد المدنيين، حيث يتيح للمحكمة الجنائية الدولية ملاحقة مرتكبيها ومحاسبتهم. كما أكد أن استخدام التجويع كسلاح كان الأداة الأبرز التي اعتمدت عليها (إسرائيل) منذ بدء عدوانها على غزة، بهدف تهجير السكان قسريًا، موضحًا أن التهجير القسري يُصنَّف كجريمة حرب بموجب القانون الجنائي الدولي، ويُضاف إلى جريمة التجويع، مما يجعل التجويع وسيلة مركزية لهدف رئيسي يتمثل في التهجير. وأشار إلى أن تواطؤ بعض المنظمات الدولية وأجهزة الأمم المتحدة ساهم في إفساح المجال لاستمرار هذه الجرائم على مرأى من العالم، بسبب غياب الحماية والدعم للفلسطينيين في غزة، معتبرًا أن هذا التخاذل الدولي عمّق من استخدام هذه الوسائل بالشكل المرعب الموجود في القطاع. ووفق عابدين فإن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تمارس عرقلة واضحة للمساءلة القانونية عبر أساليب سياسية وقانونية، مما يعكس الوجه الحقيقي للثقافة الاستعمارية الدموية بكل ما تعنيه الكلمة والتي تسعى إلى الإفلات من العقاب وتجاوز حقوق الشعوب.



فلسطين أون لاين