أخبار اليوم - في قطاع غزة المحاصر، لم يعد الحصول على شربة ماء نقية أمرًا بديهيًا، بل تحوَّل إلى تحدٍّ يومي يؤرق أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، في ظل استهداف الاحتلال الإسرائيلي المتكرر لمحطات تحلية المياه، وغياب الوقود اللازم لتشغيل ما تبقى منها. تعاني غزة شحًّا حادًّا في المياه الصالحة للشرب، إذ إن أكثر من 97% من المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام البشري، بسبب التلوث والملوحة. وتعتمد آلاف الأسر على محطات التحلية المنتشرة في أنحاء القطاع، لتوفير الحد الأدنى من احتياجاتها من المياه الآمنة، لكن هذه المحطات باتت هدفًا مباشرًا لطائرات الاحتلال، التي دمرت بعضها بشكل كلي، وأخرجت أخرى عن الخدمة بسبب نقص الوقود.
على ناصية الشارع المدمر، تقف الخمسينية أم نائل مسعود منذ الساعة السادسة صباحًا، وبجانبها جالونات المياه، تنتظر قدوم سيارة تعبئة المياه المخصصة للشرب. تقول: "رغم الدقائق الثقيلة التي تمر، والتي تصل أحيانًا إلى ساعة من هذا الانتظار القاتل، قد لا تأتي السيارة، فأعود بخُفَّي حُنين إلى بيتي، ومعي كل من ينتظر معي."
وتعاني أم نائل من آلام في المفاصل، ازدادت مع نقل المياه بشكل شبه يومي، إذ تقطع من بيتها حتى مكان وقوف سيارة المياه مسافة تقارب 200 متر. المواطنة مسعود، من سكان منطقة الصفطاوي، توضح أن أزمة المياه في منطقتها تفاقمت مع نزوح سكان الشمال، إلى جانب بدء ارتفاع درجات الحرارة. أما المواطن سامي مراد، وهو أب لخمسة أطفال ويسكن في حي الشجاعية، فيقول: "منذ أيام لا نجد ماءً نظيفًا صالحًا للشرب، خاصة بعد استئناف الحرب ونزوح أهالي المناطق الشرقية، بفعل منشورات الإخلاء التي ينشرها الجيش الإسرائيلي، فلم تعد تمر سيارات توزيع المياه كما في السابق." ويطالب المؤسسات الإنسانية والحقوقية والمجتمع الدولي بضرورة الضغط على الاحتلال، لوقف استهداف البنية التحتية المدنية، وتأمين دخول الوقود والمعدات اللازمة لتشغيل محطات التحلية، قائلاً: "فالماء، كما يقولون، حق إنساني لا يجوز أن يكون ورقة ضغط في صراع دموي." أما الأربعيني أبو علي، من سكان منطقة النفق، فيشير إلى أن المحطة القريبة من منزله أُصيبت بالقصف، ويضطر لشراء زجاجات المياه المعدنية من الباعة بأسعار لا تُحتمل. ويقول: "أحيانًا يضطر أطفالنا لشرب المياه المخصصة للاستخدامات اليومية، فباتوا يعانون من الإسهال والتهابات بسبب المياه الملوثة.
" ويضيف: "منذ بدء الحرب، يتفنن الاحتلال في محاربتنا؛ بحرماننا من الطعام والماء والكهرباء والوقود اللازم لتشغيل المولدات والمحطات." ومع حلول الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يلجأ البعض إلى استخدام مياه الآبار أو البحر في الاستخدامات المنزلية، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض الجلدية والهضمية. من جانبه، قال المدير العام للتخطيط والمياه والصرف الصحي في بلدية غزة، م. ماهر سالم، إن تزويد مختلف المناطق في المدينة بالمياه الكافية له ثلاثة متطلبات: أولها صيانة الآبار المدمرة، وعددها يقارب 63 بئرًا.
وأوضح سالم لـ "فلسطين أون لاين"، أن المتطلب الثاني هو إعادة تشغيل محطة التحلية المركزية، فيما المتطلب الثالث هو ضمان استمرار ضخ مياه ميكروت وزيادة كميتها لتعويض العجز الناتج عن ازدياد عدد النازحين. وذكر أن نسبة المناطق التي تصلها المياه الآن تقل عن 25%، منبهًا إلى أن خدمة توصيل المياه للمواطنين تأثرت بشكل كبير في ظل حرب الإبادة وإغلاق الاحتلال للمعابر. وبيّن أن الكمية التي تُضخ عبر الشبكة انخفضت من 120 ألف م³/يوم إلى 30 ألف م³/يوم. والجمعة، قالت بلدية غزة إن المدينة تعيش أزمة عطش كبيرة، بسبب توغل قوات الاحتلال في مناطق شرق المدينة، وتوقف خط مياه ميكروت، الذي يغذي المدينة بنحو 70% من احتياجاتها الحالية من المياه القادمة من الداخل.
وأفادت البلدية في بيان، بأن الخط يمر عبر المنطقة الشرقية في حي الشجاعية، وأنه توقف عن الضخ يوم الخميس. واستمر أمس انقطاع مياه ميكروت لليوم السادس تواليًا، نتيجة الأضرار التي لحقت بالخط، فيما أكدت البلدية أن طواقمها بانتظار السماح لها بالوصول إلى موقع الضرر لاستكمال أعمال الصيانة. وتتمثل مصادر المياه المغذية لمدينة غزة في: مياه ميكروت بنسبة 70%، والآبار 25%، والآبار الغاطسة الخاصة 5%، وفق ما أفاد به سالم. وقبل بدء حرب الإبادة في أكتوبر 2023، كان خط ميكروت يزوّد المدينة بنحو 20% من احتياجاتها اليومية، ولكن بعد بدء العدوان وتدمير معظم آبار المياه، إلى جانب تدمير محطة التحلية المركزية الواقعة شمال غرب مدينة غزة، ونقص الطاقة والكهرباء، أصبحت البلدية تعتمد بنسبة 70% من احتياجها اليومي على مياه ميكروت. وقد تعمّد الاحتلال الإسرائيلي استهداف مرافق المياه خلال العدوان، ما تسبب في أضرار كبيرة وتدمير واسع للآبار والشبكات، الأمر الذي أدّى إلى أزمة حادة في توفير وتوصيل المياه إلى مناطق واسعة من المدينة. وأفاد سالم بأن مياه ميكروت تُعد ذات جودة عالية، بينما مياه الآبار ذات جودة منخفضة، ولا تصلح للشرب، وهي مخصصة فقط للاستخدامات المنزلية. وحذر من تبعات شح المياه على الصحة العامة، ومساهمته في انتشار الأمراض. ويعتمد الاحتلال الإسرائيلي "التعطيش" و"التجويع" سلاحًا في حرب الإبادة الجماعية، التي أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 164 ألف غزي، معظمهم من الأطفال والنساء، على مدار 18 شهرًا.