"كتبٌ تفترش الأرض" .. الغزِّي "السويركي" يواجه الحرب بالقراءة

mainThumb
"كتبٌ تفترش الأرض".. الغزِّي "السويركي" يواجه الحرب بالقراءة

10-04-2025 09:57 AM

printIcon

أخبار اليوم - يرتب أحمد السويركي (42 عامًا) الكتب ويصفّها على بقعة مترامية الأطراف في منطقة "الساحة" بغزة، كما لو كان يحتضنها، موليا إياها رعاية تناسب قيمتها المعرفية، وسط حرب إبادة بدلت قسرا أولويات الغزيين المنشغلين بتضميد جراحاتهم. في تلك المنطقة الملاصقة للبلدة القديمة لغزة التي أصابها الكثير من الدمار، كأنما تتسلل "رائحة الكتب" إلى عقول المارة، وتعيد إليهم جزءا أصيلا من حياتهم التي اعتادوها قبل الحرب. ومن خلال ما تشبه "مكتبة أرضية"، يسعى الرجل إلى تدبير متطلبات عيش أسرته، وتعزيز ثقافة القراءة أيضا.

وبعد أن قصف منزله في حي الشجاعية شرق غزة وأصيب في يده، أصر على البقاء في المدينة، واختار أن يواجه الحرب بالثقافة. "بدأت بتجميع كتب بأعداد قليلة تقدر العشرات، وبعدها وجدت نوعا من التوفيق، وأصبحت تتوفر لدي بأعداد أكبر قد تتجاوز 200 كتاب وهي الآن بكميات أكبر كما ترونها"، يوزع السويركي نظراته بفخر على ما باتت تشبه "مكتبة ميدانية"، موضحا تفاصيل نشأتها لـ "فلسطين أون لاين".

قبل الحرب، كان السويركي المتخصص في الدراسات الإسلامية، يدير مركزا تعليميا، لكن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بغزة منذ سنوات، أجبرته على إغلاقه. حاول أيضا أن يجد فرصة عمل في قطاع التعليم، إلا أن بطالة الخريجين سدت الأفق، فعمل في التسويق بقطاع الاتصالات، إلى أن شن الاحتلال حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فخسر عمله مرة أخرى.

ورغم كل ذلك، لم يستسلم. وأعاد ترتيب حياته من جديد حول كتبه. مصادر الكتب يأتي اهتمام الأربعيني الغزي بهذا المجال، بينما تشح في قطاع غزة الكتب التي أحرق القصف معظمها، وأيضا في وقت يسعى الغزيون إلى لقمة العيش المفقودة، في ظل حصار مطبق استأنفه الاحتلال في الثاني من مارس/آذار. وكان السويركي يملك مكتبة صغيرة في منزله بحي الشجاعية شرق غزة، لا تتجاوز 50 كتابا، هي ما استوحى منها فكرة "المكتبة" الحالية. يضيف: الناس يأتون إلي لبيع الكتب أيضا، وأنا آخذها وأطلب من صاحبها انتظار ثلاثة أيام حتى أتمكن من تحصيل ثمنها وتسديده.

ويشير إلى أن عدد الكتب المتوفرة في قطاع غزة قليل حاليا، وهو يلجأ إلى شراء ما يعرض عليه من الكتب لإنقاذها من الحرق على يد من قد لا يقدر قيمتها، خصوصا في ظل أزمة انقطاع غاز الطهي. ورغم أن بعض الكتب لا تجد هاويا لها، لا تفقد تلك المساعي قيمتها. "شعرت أنني أقدم شيئا، وأفعل خيرا، فهناك محاضرون جامعيون وجدوا كتبهم المفقودة لدي وينوون إعادتها للجامعات عند افتتاحها". وكانت المكتبات والمراكز الثقافية في قطاع غزة هدفا لآلة حرب الإبادة الجماعية، وفي مقدمتها المكتبة العامة التابعة لبلدية غزة، ومكتبة ديانا تماري صباغ التي كان يحتضنها مركز رشاد الشوا الثقافي، وغيرهما. الروايات والقصص أكثر ما يشغل السويركي هو البحث عما يريده القراء، وتقديمها للقراء الغزيين.

عن ذلك يقول: إن القارئ الفلسطيني منذ عهد الانتفاضة الأولى (1987) يرغب في قراءة الروايات والقصص. وعن الإقبال على الكتب فترة الحرب، يوضح أنه كان كبيرا في فترات سابقة، لكن بدأ يقل بسبب الوضع المالي الصعب، والمصاريف الباهظة التي واجهها الغزيون ولا سيما في شهر رمضان وعيد الفطر، في ظل الحصار والحرب. ويتابع: الناس عندهم ثقافة القراءة حتى في الحرب، لكن يفاضلون الآن بين الكتب وكيلو الطحين مثلا! رغم ذلك، يتردد الغزيون على "مكتبته" بالعشرات يوميا. وفي الوقت نفسه، يستثمر السويركي الأمر بتعزيز ثقافته وقضاء وقت مسل مع الكتب، على قاعدة أن "خير جليس في الزمان كتاب".

ومن خلال ذلك عاد السويركي إلى أصل عمله وهو أنه خريج جامعي ورفيق للكتب والقصص والروايات، وهو قارئ مهتم بالأدب الإنجليزي، وأيضا بمؤلفات عربية لأيمن العتوم، ومصطفى محمود، ومصطفى السباعي وغيرهم. أمل لا يزال حيا يحلم السويركي بامتلاك مكتبة حقيقية يومًا ما، لكن الدمار الذي طال المحال التجارية وبيوت المدنيين يجعل الأمر مؤجلًا. ومع ذلك، لا يغادره الأمل. "بأي شكل من الأشكال، نستمر في الحياة. نصمد وننتظر ما يكتبه الله لنا"، يختم حديثه، بينما تظل الكتب من حوله شاهدة على مقاومة من نوع مختلف، مقاومة بالحبر والورق في وجه الحرب والنسيان.