في ظل الفتنة .. الأردن أولا

mainThumb
د. زيد بن علي الفضيل

08-04-2025 12:34 PM

printIcon

د. زيد بن علي الفضيل


لن يجد الكيان الإسرائيلي أفضل من هذا الوقت ليحقق انتصاره الذي يحلم به طوال العقود السالفة، فالعالم العربي يعيش تفتتا غير مسبوق، والعالم الإسلامي في أضعف أحواله، والمجتمع الدولي في تيه وشتات، وعليه فليس أمامنا كمجتمع وأفراد إلا أن نحتمي خلف وعينا الوطني، وإدراكنا لما هو واجب وما هو ممكن، والمسافة بينهما قصيرة لمن وعى، وبعيدة لمن كان غافلا ومستغفَلا (بفتح الفاء).


في ظل كل ذلك يصبح التشبث بالأوطان قضية القضايا، ويصبح التمسك بأواصر ما بات قائما من روح وطنية هو المنقذ من أي شتات وزوال، لاسيما وأن الكيان الإسرائيلي يعلن صباح مساء عن رغبته في إقامة دولته الكبرى التي تشمل مساحة واسعة من المشرق العربي، أي أنه يعمل على احتلال أوطاننا، ولن يتأتى له ذلك إلا بتفتيتنا وزرع الفتن بيننا، وما جرى في العراق من تفتيت لأواصر اللحمة الواحدة مثلٌ يجب وعيه وإدراكه، كما أن ما يجري في سوريا من زرع للفتن وتفتيت للمجتمع شاهد حيّ لمن وعى وتدبر.


واليوم يجري بث الفتنة في المملكة الأردنية الهاشمية بتأجيج الصراع الهُوياتي بين هويتين أحدهما هي الهوية السياسية والوطنية وهي الأساس التي يجب تعزيزها وإعلاءها قولا وفعلا، وأقصد بها الهوية الوطنية الأردنية، والأخرى هي الهوية الإقليمية الجغرافية التي يختبئ خلفها قاصري النظر، وضعيفي الإدراك، ممن ينتمون للأردن سكنا وموطنا ومعيشة، وأقصد بها الهوية الفلسطينية.


ومع إيماننا كمجتمع عربي بعدلية قضيتنا الأم وهي القضية الفلسطينية التي يجب ألا ننساها، وعلينا دعمها والوقوف إلى جانب أهلنا في فلسطين المحتلة بمختلف السبل، لكن إيماننا بذلك لا يعني أن نهدم بقية البيت على رؤوسنا، وهو ما يريد الإسرائيلي تحقيقه بزعزعة الهوية الوطنية في بلداننا العربية، وبأصوات عديد من أبنائنا الحمقى إدراكا ووعيا سياسيا، كما هو الحال مع تلك الأصوات النشاز المغرضة التي تصدح بين الفينة والأخرى في الأردن داعية إلى إعلاء الهوية الفلسطينية على الهوية الوطنية الأردنية، وهو أمر يثير الريبة والشك.


أقول ذلك وأنا العربي السعودي الذي ارتبط بالأردن ونظر إليه بحيادية مطلقة، فوجدت بين أهله سواء من أصول شرق أردنية أو فلسطينية أواصر قربى لا تنتهي، وعلاقات صهارة لا تتوقف، وليس ذلك بغريب عليهم وهم أبناء ثقافة عربية واحدة، تمتد يمنة ويسرة مع إخوانهم العرب بحسب القرب الجغرافي؛ على أن كل هذه التفاصيل يجب أن تختفي أمام الهوية الكلية الرئيسة وهي الهوية الأردنية بتأصيلها السياسي الحالي.
ما دعاني إلى قول ذلك والتأكيد عليه راجع إلى ما سمعته مؤخرا من أحد الفلسطينيين ويدعى جندل صلاح عبر بودكاست (ع الحاجز) التابع لعربي 21، ومن خلال تسجيلاته المتعددة أيضا، والتي يتحدث فيها بغفلة سياسية، (وهو أقل وصف أصفه به)، عن دولة الأردن، منكرا حقيقة وجودها تاريخيا وسياسيا، وحتما فقد جمع المتحدث بين جهله بالواقع التاريخي، وحمقه السياسي، ليقدم خطابا صهيونيا بامتياز، وهو ما يفرض أن نقف كعرب ناهيك عن الأردنيين صفا واحدا في مواجهته، وليته جاهد بنفي وجود دولة إسرائيل التي تحتل أرضه وتذله ليل نهار، بدل أن يساهم بحمق في تكريس مخططهم الاحتلالي التوسعي الظالم، مع إيماني بأنهم قد وجدوا في خطابه الأهوج فائدة عظمى لهم.


أخيرا، يجب القول بأن الحفاظ على الهُويات الوطنية القائمة أساس لأي صحوة عربية إسلامية قادمة، كما أن الولاء المطلق لأوطاننا المعاصرة سبب في صمودنا أمام أي توسع صهيوني ظالم، ومهم أن نؤمن بأن أي دعوة لتشتيت هذه الولاءات الوطنية اليوم لسبب أو لآخر، يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي الذي يسعى إلى تفتيتنا أشلاء باسم المناطقية والعرقية والطائفية. وعليه فلا صوت يعلو فوق صوت الوطن، ولا هوية تتقدم على هوية الوطن، ومن يتجاوز ذلك فيجب أن يواجه سياسيا وقانونيا، حفاظا على ما تبقى من بيتنا العربي.