أزمة الحليب والحفاضات تتفاقم .. حصار الاحتلال يخنق الطفولة في غزَّة

mainThumb
أزمة الحليب والحفاضات تتفاقم.. حصار الاحتلال يخنق الطفولة في غزَّة

08-04-2025 10:32 AM

printIcon

أخبار اليوم - بين ركام البيوت، وتحت خيام النازحين في مدارس مكتظة أو ساحات خالية من الحد الأدنى من مقومات الحياة، يواجه أطفال قطاع غزة معاناةً متفاقمة لا تتعلق فقط بالخوف والجوع، بل بأبسط حقوقهم اليومية: الحليب والحفاضات.

ففي ظل الحصار الإسرائيلي الخانق المتواصل منذ أشهر، وبالأخص بعد توقف دخول المساعدات الإغاثية منذ الثاني من مارس 2025، تفاقمت أزمة المواد الأساسية بشكل عام، وأصبح الحصول على حليب الأطفال والحفاضات تحدياً يومياً يؤرق الأهالي ويهدد صحة صغارهم.

لم تعد أزمة الغذاء تقتصر على الوجبات اليومية، بل امتدت لتطال الرضّع، الفئة الأضعف في وجه الحروب. تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن مخزون حليب الأطفال الجاهز للاستخدام في غزة لا يكفي حالياً سوى لـ400 طفل فقط ولمدة لا تتجاوز الشهر الواحد، بينما يُقدّر عدد الرضّع الذين هم دون سن الستة أشهر ويحتاجون إلى تغذية تكميلية بنحو 10,000 طفل.

في هذا السياق، يقول عاصم صلاح (33 عاما)، وهو أب لطفلين من سكان شمال قطاع غزة ويقيم حالياً كنازح في أحد مراكز الإيواء غرب المدينة: "كنا بالكاد نُطعم أطفالنا مما نجده. الآن طفت على السطح أزمة أشدّ إيلاماً: حليب الأطفال والحفاضات. لا أستطيع توفير الحليب، لأنه ببساطة غير موجود في السوق، وإذا توفر – نادراً – يصل سعر العلبة الواحدة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ثمنها المعتاد، والسعر في ازدياد مستمر".

يتحدث صلاح وهو يحتضن طفله الرضيع، قائلاً إن صراخ الجوع في الليل بات مشهداً متكرراً في مراكز الإيواء. "أشعر بالعجز والذنب. هذا الحصار يقتلنا ببطء، ويقتل أطفالنا أولاً".

وجه آخر للمعاناة

لا تقتصر المعاناة على الحليب، بل تتعداها إلى الحفاضات، وهي حاجة يومية أساسية يصعب الآن على معظم الأسر تأمينها. أحمد حسونة، وهو أب لتوأمين بعمر السنة، يروي فرحته بوصول رسالة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا تدعوه لاستلام كيسين من الحفاضات: "طرت من الفرح، كأنها رسالة إنقاذ! لم أكن أتخيل يوماً أن الحفاضات ستصبح بهذا الغلاء، ولا حتى أنها ستختفي. عندما كان سعرها معقولاً، كنت بالكاد أستطيع تدبيرها، أما الآن، فقد أصبحت رفاهية لا نملك حقها."

ويتابع حسونة قائلاً إن طفليه باتا يعانيان من الطفح الجلدي والتهابات مستمرة، نتيجة الاضطرار لاستخدام بدائل غير آمنة أو إعادة استخدام الحفاضات مراراً. "كرامة الأطفال تُهان يومياً، ونحن لا نملك حيلة".

في الشاطئ الشمالي غرب غزة يتحدث محمد غراب (28 عاماً) عن ابنه ذي التسعة أشهر، قائلاً بصوت متهدج: "طفلي لا يعرف سوى طعم الحليب، لكنه ينام اليوم جائعاً، يصرخ حتى يغلبه التعب. لم أعد أملك ما أقدمه له. لا حليب، ولا غذاء بديل، فقط القلق والخوف".

يشير غراب إلى أن العائلة اضطرت إلى طحن بعض الأرز أو البسكويت وخلطه بماء ساخن كمحاولة يائسة لسدّ جوع الرضيع، لكنه يدرك أن هذه البدائل غير كافية، بل وقد تُعرض الطفل لمخاطر صحية جسيمة. "طفلي الآن معرض لسوء تغذية حاد. ولا شيء في الأفق سوى مزيد من الحصار".

وبالإضافة إلى فقدان المواد الأساسية من الأسواق، فإن انعدام السيولة النقدية لدى السكان يُعد عائقاً إضافياً. فقد توقف صرف الرواتب، وانهارت الأعمال التجارية، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل غير مسبوق.

وبحسب تقارير محلية، فإن متوسط تكلفة شراء علبة حليب أطفال واحدة – إن توفرت – يصل إلى أكثر من 80 شيكلاً (نحو 22 دولاراً)، بينما الحفاضات تُباع بأسعار خيالية تفوق 100 شيكل للكيس الواحد.

وحتى الجهات الإغاثية التي كانت توزع هذه المواد بكميات محدودة، باتت تعاني من توقف الإمدادات، سواء بسبب الحصار أو نتيجة القيود المفروضة على المعابر، بحسب ما أكدته منظمة اليونيسف في بيانها الأخير.

تحذيرات المنظمات الدولية تتوالى، فإلى جانب الأزمة الغذائية، أكدت اليونيسف أن نحو 21 مركزاً لعلاج سوء التغذية أُغلقت بسبب القصف وأوامر النزوح، ما يعرض حياة مئات الأطفال للخطر. ومع تراجع القدرة على توفير الرعاية الصحية الأولية، تزداد احتمالات انتشار الأمراض وسوء التغذية، خاصة بين الرضّع والأطفال دون سن الخامسة.

في ظل كل ذلك، تبدو الطفولة في غزة محاصرة بكل ما تعنيه الكلمة من ألم وحرمان. فما بين انعدام الغذاء وغياب الدواء، تُدفن براءة الصغار تحت أنقاض الحصار، فيما تكتفي الأسرة الدولية ببيانات القلق، دون تدخل فاعل يضمن أبسط حقوق الإنسان: أن ينام الطفل شبعاناً، نظيفاً، آمناً.