أخبار اليوم - يلتقي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الساعة الثامنة مساء بعدما تلقى الأول دعوة عاجلة لزيارة البيت الأبيض خلال مكالمة هاتفية جمعتهما ورئيس حكومة هنغاريا فكتور أوربان حول انسحاب الأخيرة من محكمة الجنايات الدولية، والرسوم الجمركية.
وبذلك تقوم نتنياهو بزيارة رابعة للولايات المتحدة منذ بدء الحرب على غزة، وثانية منذ تولي ترامب الحكم. وبسبب ذلك، وكونها استدعاء أكثر مما هي دعوة، تتباين التفسيرات الإسرائيلية أيضا حول الدوافع والمواضيع المطروحة في اللقاء.
وفي الأثناء، هناك توجّس في محيط نتنياهو من حدوث مفاجأة خلال اللقاء بترامب. وحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” وعلى لسان عدد من مراسليها ومحلليها، فإن لقاء نتنياهو وترامب سيتركّز على إيران. ويقول المحلل العسكري فيها يوسي يهوشع: “ليست الجمارك التي جلبت نتنياهو إلى واشنطن بل إيران”.
وترى الصحيفة العبرية أن ترامب يريد اتفاقا من خلال التهديد والوعيد اللفظي والفعلي فيما تحلم إسرائيل بضربة عسكرية وتنقل عن جهات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قولها إنها لا تثق بقبول طهران اتفاقا ناجعا إلا بعدما تتلقى ضربة قاسية أولا.
ويوضح المعلق السياسي البارز في الصحيفة نداف أيال، أن إيران هي الموضوع الأهم.. لا غزة ولا المخطوفين. ويشير إلى أن إسرائيل تعتقد اليوم أنها قادرة على تنفيذ ضربة ضد إيران، لكنها تحتاج لضوء أخضر من واشنطن: قبة حديدية دبلوماسية، مساعدات حيوية.
ويضيف: “إيران ربما ترد عسكريا على أهداف أمريكية في المنطقة”. وينقل أيال عن جهات أمنية إسرائيلية مرموقة قولها إنه لا داعي للهجمة على إيران في حال لم تستغل واشنطن الفرصة كي تقترح لاحقا على إيران “جزرا” تتيح اتفاقا جديدا ورقابة نووية ناجعة على منشآتها.
المخطوفون والجمارك
في المقابل، ترى صحيفة “هآرتس” أن المخطوفين وإيران والجمارك حسب التدريج هي المواضيع التي ستكون في صلب اللقاء، منوهة أنه قد تم تحديد اجتماع مع وزير التجارة الأمريكي، مما يشي بأن هناك نية للتسوية في موضوع الجمارك على البضائع الإسرائيلية.
في هذا المضمار، يرى مراقبون إسرائيليون في القناة 12 العبرية، أنه من غير المستبعد أن ترامب وهو الرجل الأقوى ورئيس الدولة الأقوى يسعى لتحقيق مصلحة أمريكية من هذا اللقاء الخاطف تتمثل باستخدام نتنياهو سلما للنزول عن شجرة الرسوم الجمركية بعدما تورّط بها وهو يرى انهيارات متتالية في أسواق المال في أمريكا والعالم.
طبقا للتقارير الرسمية، فإن سوق المال الأمريكي وحده خسر حتى الآن جراء رفع الرسوم الجمركية نحو ستة تريليونات دولار. ويرجح عدد كبير من المراقبين في إسرائيل أن يعود نتنياهو من واشنطن في كل الأحوال وقد خفّض ترامب رسوم الجمارك الأمريكية المفروضة على البضائع والخدمات الإسرائيلية ليستفيد نتنياهو من ذلك سياسيا مقابل استخدامه وسيلة للتراجع عن الرسوم التي تثير ردود فعل سلبية واسعة في العالم، وكأنه يقول لقادة العالم تعالوا واحذوا حذو نتنياهو إن كنتم راغبين بخفض رسوم الجمارك. وبذلك يكون قد وجد لنفسه مخرجا أنيقا من أزمة اقتصادية أدخل نفسه إليها، ومن شأنها التسبب بتباطؤ وضرر اقتصادي لأمريكا والعالم كله.
يشار إلى أن اتحاد الصناعيين في إسرائيل يقدر أن الجمارك الإضافية ستؤدي لتراجع الطلب بـ20% على الصادرات الإسرائيلية مثلما ستسبب بطالة لنحو 20 ألف عامل في مرافق الزراعة والهايتيك والإلكترونيات والأدوية، علما أن مجمل صادرات إسرائيل لأمريكا في العام الفائت قد بلغت 37 مليار دولار.
حسابات نتنياهو واعتبارات ترامب.. هل تتطابق؟
بيد أن جهات إسرائيلية غير رسمية ترجّح أيضا أن ترامب مهتم ببحث موضوع المحتجزين والأسرى الإسرائيليين الذين قطع وعدا على نفسه باستعادتهم أمام عائلاتهم خلال استقبالهم في البيت الأبيض الشهر المنصرم.
وتشير هذه الجهات الإسرائيلية إلى احتمال طرح الإدارة الأمريكية فكرة جديدة لدفع الصفقة العالقة، خاصة أن ويتكوف سيشارك في اللقاء بعدما كان مقررّا له لقاء مع وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال رون درمر في أبو ظبي.
وترى هي الأخرى أن الإدارة الأمريكية ربما تعيد النظر في دعمها المفتوح للحرب على غزة. فترامب يرغب بالتفرّغ لصفقة سياسية واستثمارية أكبر، وسيزور السعودية قريبا. فيما لا يكف الحوثيون عن تشويش الملاحة الدولية في البحر الأحمر رغم القصف العنيف على اليمن.
ترامب الذي أبدى تفهمه لتورط إسرائيل في مذبحة المسعفين بغزة بسبب “عملها بشروط معقدة”، ربما يتنبّه إلى أن استمرار الحرب يبدو مغامرة ربما تطول وتشوّش له حساباته ومخططاته، فهي تقتل المدنيين الفلسطينيين وتهدد الأسرى الإسرائيليين، لكنها لا تُخضع المقاومة في القطاع. مثلما يتّنبه لتأييد أغلبية ساحقة من الإسرائيليين لوقف الحرب وإتمام صفقة تعيد كل المحتجزين، خاصة أن هناك استعدادات لتنظيم مظاهرة كبرى في تل أبيب وغيرها تزامنا مع اللقاء في البيت الأبيض.
بالتأكيد سيأخذ ترامب في الحسبان الموقف العربي بحال كان مناهضا فعلا لاستمرار الحرب وللمقتلة اليومية في غزة، وللأطماع غير المتوقفة لدى حكومة نتنياهو التي تستفيد من الصمت العربي للتمدد والإقدام على انتهاكات في كل الجبهات في المنطقة، وهي تستشعر العجز أو اللامبالاة لدى الدول العربية، رغم أن ذلك سيعود كيدا مرتدا على العرب جميعا.
إبداء مواقف عربية مناهضة لاستمرار هذه “الوقاحة” بقيادة نتنياهو، من شأنها التأثير على توجهات ترامب، علاوة على مؤثرات أخرى لا سيما وأن ترامب يخطط لزيارة الرياض، فهل يعقل أن تتم مثل هذه الزيارة في المملكة العربية السعودية فيما تسفح دماء الأطفال الفلسطينيين كل ساعة في غزة، ولا ينجو منها حتى المسعفين وبأسلحة أمريكية؟
رسائل مكتب نتنياهو
من جهتهم، اهتم أبواق نتنياهو منذ أمس بإرسال رسائل في هذا الصدد، منها أن البيت الأبيض هو من حدد موعد اللقاء (لتبرير إلغاء جلسة المحكمة الخاصة بفضائح الفساد غدا الثلاثاء) والرسالة الثانية: نتنياهو سيستغل اللقاء للحديث حول المخطوفين وزيادة الضغط الأمريكي على الوسطاء. والرسالة الثالثة: الآن يتراجع دور الوسطاء مقابل ستيف ويتكوف.
من المتوقع أن يعود نتنياهو إلى إسرائيل الثلاثاء، وسط أنباء عن احتمال التمديد رغم الأوضاع المتفجرة داخليا وخارجيا وهذا ما دفع رسام كاريكاتير “هآرتس” للسخرية منه في رسم تبدو فيه طائرة نتنياهو تحلّق فوق القضاة في المحكمة من بودابست إلى واشنطن ومن خلفها طائرة أخرى تحمل الوقود كتب عليها: “لم تعد هناك حاجة للهبوط”.