محلل اقتصادي

mainThumb
عبدالهادي راجي المجالي

06-04-2025 11:50 AM

printIcon

 


عبدالهادي راجي المجالي

... أتابع ما جادت به قريحة (المحللون الاقتصاديون)، في بلادنا حول قيام ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة، الأمر أشبه بالدروس التي تلقيناها في الثالث الابتدائي، حول الذباب وخطورة شراء الحلويات المكشوفة من الباعة المتجولين، كون الذباب يساهم في نقل الأمراض... علما بأن المشكلة لم تكن في الذباب، المشكلة في عدم توفر الحلويات أصلا.
القرار الذي اتخذه ترامب، هو قرار داخلي، ولا يوجد في أمريكا قرارات سياسية مفصولة عن الاقتصاد ولا قرارت اقتصادية ليس لها تبعات سياسية، بمعنى أن إخضاع الشعوب لم يعد يتطلب حاملات طائرات ولا مدافع، بل يتطلب قرارات اقتصادية حازمة.
أزمة الولايات المتحدة هي ديونها الداخلية المقدرة بعشرات التريليونات، وإذا استمر هذا الأمر، فمن المتوقع أن ينهار الاقتصاد الأمريكي في ال(20) سنة القادمة... وأزمتنا في الأردن التي لم تقرأ بالشكل الصحيح هي الديون أيضا... وسؤالي لماذا نتحدث عن الفقر، ونتحدث عن البطالة.. ونتحدث عن التشغيل، ونتحدث عن الرفاه.. في حين أن عدد الموظفين المقترضين من البنوك في بيروقراط الدولة والقطاع الخاص يقدر بمئات الألوف، وهؤلاء تقتطع من دخولهم ما يعادل النصف أو أكثر لأجل سداد القروض، وبالتالي سيبقى مرتهنا للبنك لسنوات طويلة، ليس الشخص وحده، بل العقارات في عمان هي الأخرى في أغلبها مرتهنة للبنوك.
القرارات الأمريكية الهدف الأول منها هو: معالجة ديون الولايات المتحدة، والهدف الثاني هو تحويل المجتمع الأمريكي من الأكثر استهلاكا في العالم، إلى مجتمع منتج، والسؤال الذي يتعبني.. لماذا حين يتعثر أحد البنوك في الولايات المتحدة مثلا يتدخل الفيدرالي الأمريكي، ويضمن ودائع وحسابات المواطنين، في حين أن ضمان الودائع لدينا لا يتجاوز ال (4%)... بمعنى في حال تعثر أي بنك، فمن الذي سيضمن مدخرات الناس؟
علينا أن نبحث أزمة الاقتراض في الأردن، لأنها أثرت في إنتاجية الفرد فالموظف يشعر أن جهده يذهب للبنك، والمتعثر لا تحميه الدولة كون القوانين كلها تصب في مصلحة المقرض، وبالتالي قصة الحجز على العقار سهلة، والمواطن للأسف لا يجد في الدولة نافذة ميسرة للإقراض، وبالتالي يلجأ إلى القطاع الخاص.. وسؤالي هل يوجد لدينا رقم واضح ومحدد عن حجم الحجوزات العقارية عبر المحاكم في الأردنية؟
القرارات الأمريكية ستوفر تريليونات للخزينة وبالتالي، هذا سيرفع نسبة الرفاه، ويحسن الخدمة الصحية، ومظلة التأمينات الاجتماعية، هذا أيضا سيجعل المواطن الأمريكي يتجه إلى السيارة المحلية، ويترك المرسيدس... هذا أيضا سيجبر شركات ضخمة إيطالية وفرنسية وبريطانية على الاتجاه إلى السوق الأمريكي وفتح خطوط إنتاج هناك لتجاوز دفع الضريبة، بتعبير آخر ترامب يريد أن تسيطر أمريكا على عجلة الإنتاج، ويريد عبر القرارات الاقتصادية إخضاع كندا وأوروبا، لأن العلاقة معهما أصبحت مكلفة اقتصاديا للولايات المتحدة.
الأصل أن نتعلم من ترامب كيفية اتخاذ القرار الاقتصادي، لا أن نقدم وصفات ساذجة لتأثيراته على الأردن، ترامب بهذا القرار حصن المجتمع.. وحتما ستكون النتائج تغيير الذهنية الاستهلاكية الأمريكية، نحن في الأردن علينا أن نعيد النظر في شكل الإقراض، علينا أن نؤسس نافذة حكومية للإقراض، وعلينا حماية المواطن وحماية العقار...لا يجوز في حالة تخلف موظف عن سداد قسط أن يُحْجَز على تعب عمره والسقف الذي يأوي أولاده... أزمة الاقتراض في الأردن هي أزمة على مستوى الدولة وأزمة على مستوى الفرد، وأظن أن ارتفاع نسب التضخم في الأردن لا يعود بالدرجة الأولى لأزمة في الاقتصاد ذاته، بل يعود إلى دخول الأفراد التي سحقت بفعل الأقساط وحجم القروض.
أي قرار اقتصادي له تبعات اجتماعية مهمة، وترامب يمثل الوطنية الأمريكية الشرسة، يمثل اليمن المتشدد، واليمين غالبا في معالجاته الاقتصادية يؤمن بقوة ونفوذ وسلطة الدولة، ويخضع القطاع الخاص لقوانين صارمة في منسوب الربح بحيث يخلق فواصل مهمة بين الاستغلال وبين الأرباح.
في الأردن لم تبحث أي حكومة للآن أزمة الإقراض، ولم تقدم أي حكومة برنامجا وطني لحماية الأفراد الذين تخلفوا عن السداد، القوانين كلهم تحمي المقرض بالمقابل المقترض لا حماية ولا مظلة قانونية تسانده.
علينا أن نتعلم من أمريكا، كيفية اتخاذ القرار الاقتصادي الحاسم، لا أن نقرأ تأثيراته.. نحن في النهاية لا نملك اقتصادا بحجم الاقتصاد البريطاني، ولا الفرنسي.. نحن نملك اقتصادا متواضعا، وأظن أن العالم الثالث سيستفيد من قرارات ترامب بعكس ما يروج البعض.