أخبار اليوم - كانت الصواريخ الإسرائيلية تدك الأرض في كل الأنحاء، ولم تترك دعاء اسليم تنام ليلتها؛ خوفًا ورعبًا من أن تصيبها تلك الحمم وتنهي حياة أطفالها. اسليم (27 عامًا) تقطن في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، الذي كان من ضمن المناطق التي أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها ليلة أول من أمس الخميس. في هذه المرة رفضت النزوح كما فعلت عشرات المرات في السابق.
وأصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، أول من أمس، أوامر إخلاء جديدة لسكان بلدة غزة القديمة، وأحياء الصبرة وتل الهوى والزيتون الغربي، وطالبهم بالتوجه نحو المنطقة التي يدعي أنها آمنة جنوب القطاع. تقول اسليم لصحيفة "فلسطين": "لا أنكر أن الرعب تملكني منذ الإعلان عن إخلاء الحي، وفي لحظات فكرت في الإخلاء، لكنني صرفت النظر فورًا، فقد تعبت وأنهكت من النزوح برفقة خمسة أطفال، ولم أعد أقدر على تحمل المزيد من التعب الجسدي، والأذى النفسي، وعدم الاستقرار خارج بيتي." وتتابع: "في كل لحظة أنتظر أن يأتي دوري في الشهادة، وأرفض النزوح رغم أوامر الإخلاء، فمقاييس الحياة والموت باتت متساوية.
" نصف بيت في نصف بيت تعيش نهلة كراجة برفقة زوجها وأبنائها في حي تل الهوى جنوب غزة، وقد رفضت أوامر الإخلاء التي نشرها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبقيت صامدة في منزلها الذي كانت تتساقط بعض حجارته مع كل قصف قريب. تقول كراجة (40 عامًا): "ماذا سنرى من أهوال أكثر مما رأينا وما زلنا نعيشها؟ لذا أفضل البقاء في بيتي. أعيش الاستقلالية التي حُرمت منها طيلة أشهر الحرب الماضية، ومعاناة مشاركة الحياة مع عشرات الأشخاص في بيت واحد بلا ماء ولا طعام. في بيتي أستطيع تدبر أمري لوحدي قدر الإمكان." وتتابع: "لم يعد هناك أماكن ننزح إليها. الخيام تملأ الشوارع، ولم يعد هناك متسع في الطرقات لاستقبال نازحين جدد.
فالجيش يمارس حربًا نفسية علينا في كل مرة يطلب منا الإخلاء، من أجل زعزعة استقرارنا وأمننا المجتمعي." "حينما أطل من شباك بيتي المدمر، وأرى الناس في الشوارع لم يسمعوا لأوامر الإخلاء، أشعر براحة نفسية، وأرفض الخروج رغم إلحاح بعض بناتي" هكذا بدأت شهيرة التميمي حديثها لـ"فلسطين". وتردف التميمي (65 عامًا) التي تقطن في شارع (8): "مع تجدد الحرب في منتصف شهر رمضان، نزحت برفقة عائلتي وتوزعنا بين بيوت أبنائي المتزوجين، ولكن الأمر قد طال، وعدنا إلى البيت بعد أسبوعين.
" وتضيف: "خلال تلك المدة تواصلت مع جاراتي اللاتي لم يبرحن بيوتهن، وتشجعت حينها وعدت إلى البيت، وأرفض النزوح مع تجدد أوامر إخلاء المنطقة، فالموت مع الجماعة رحمة، فجميع سكان المنطقة يرفضون ترك بيوتهم." وترفض التميمي فكرة الهجرة التي يضغط الاحتلال الإسرائيلي من أجل تنفيذها، ودفع الغزيين دفعًا إليها من خلال الضغط العسكري وسياسة التجويع والتعطيش، وتفضل الشهادة على ترك بيتها ووطنها.
فلسطين أون لاين