اليوم الدولي للضمير .. شعار لا يطعم جائعًا في غزة

mainThumb
اليوم الدولي للضمير.. شعار لا يطعم جائعًا في غزة

06-04-2025 11:07 AM

printIcon

أخبار اليوم - "تنصهر" ثمانينية غزية نازحة في خيمة ضيقة، تنصب عليها أشعة الشمس الحارقة في وقت الظهيرة حتى تكاد تخنق أنفاسها، وتحولها إلى "جثة هامدة" بلا روح أو طاقة، تحاول الإشارة بيديها إلى ما تعجز عن نطقه ولا تستطيع، لكن يبدو أنها تريد القول: "حسبي الله ونعم الوكيل". في زاوية ضيقة من الخيمة، كانت ابنتاها بسمة وفداء أبو عودة كأنهما "تشويان" من الحر وتتقلبان في لهيبه بلا منقذ، وتسخران من اليوم الدولي للضمير، الذي يحل اليوم (الخامس من أبريل/نيسان) وتريانه ميتًا، وإلا لما كانتا مع والدتهما في هذه الخيمة وتحت وطأة حرب الإبادة الجماعية منذ سنة ونصف السنة. تصف الأمم المتحدة اليوم الدولي للضمير بأنه "نبراس يذكّرنا بالدور الجوهري للضمير في دفع النفوس إلى دروب السلم والصفح والاحترام المتبادل. وهو يوم ما أُعلن عنه إلا ليوقظ فينا جذوة التأمل الأخلاقي، ويستحثّ فينا الرحمة، في زمن تشتدّ فيه الأزمات وتتقاطع فيه التحديات على امتداد الأفق"، لكن كل ذلك يبدو شعارا ليس إلا في واقع الغزيين.

لأكثر من 20 مرة نزحت بسمة وفداء قسرا مع والدتهما وعائلتهما المكونة من 30 فردا، واستقر بهم الحال أخيرا في خيمتين بمنطقة الجندي المجهول غرب غزة، ليجتمع عليهم النزوح مع الجوع والعطش والمرض والحر والقصف والفقد والفقر. تتكدس أمامهما مسؤوليات الحياة اليومية الشاقة ومستحيلة التحقق. تقول بسمة (53 عاما) لصحيفة "فلسطين": إن والدتها "الصماء" تعاني من مرضي السكر والضغط الذين لا تجد أدويتهما في معظم الأحيان، وتعجز عن المشي وتحتاج أيضا إلى الحفاضات الشحيحة في السوق وباهظة الثمن إن وجدت.

ينعكس ذلك على وضعهما الصحي سلبا، فهي ملقاة على ظهرها ينهشها العجز وقلة الحيلة، وحتى الطعام في ظل مجاعة تجتاح قطاع غزة مع استئناف الاحتلال إغلاق المعابر منذ الثاني من مارس/آذار تزامنا مع شهر رمضان المبارك. تقف بسمة وفداء عاجزتين عن تدبر أمر العائلة بما في ذلك توفير الخبز. "منذ أسبوع، نعتمد على الأرز الذي توفره بعض التكيات، حاليا نكافح لتدبير حفنة من الدقيق غير المتوفر لنعد رغيفا أو رغيفين لأطفالنا". ومع استئناف الاحتلال عدوانه عسكريا على القطاع في 18 مارس/آذار أجبر عائلة أبو عودة على النزوح القسري من بيت حانون، بعد أن دمر منزلها في وقت سابق من حرب الإبادة الجماعية، الممتدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي أودت بحياة نحو 164 ألف غزي معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة. تضرب بسمة كفا بكف، قائلة: "والله ما احنا عارفين لا نخبز ولا نوكل ولا نشرب ومعناش مصاري ومعناش نجيب ونشتري والاشي كله غالي ايش بدنا نعمل، كيف بدنا نعيش؟".

"هو في ضمير؟" في شارع الشهداء بمدينة غزة، يتوكأ الثلاثيني محمد فياض على عكاز يساعده على المشي بعد أن بترت غارة إسرائيلية رجله اليمنى، لكنه لا يجد في العالم معينا يتكئ عليه ليتجاوز محنته الحالية. في وقت الظهيرة، كان فياض "هاربا" من حر الخيمة، التي تؤوي والديه وزوجته وأطفاله الثلاثة، باحثا عن مكان يلتقط فيه الأنفاس وسط دمار على مد البصر. نزح الشاب قسرا سبع مرات مع عائلته، ولا يزال يعاني من تفاصيل حرب الإبادة. "صار طموحنا في الحياة نصحى الساعة ستة ونص الصبح نعبي بس جالون مية عشان نشرب"، يقول تلك الكلمات بحسرة. وأفقدته الإصابة القدرة على العمل الذي لا تتوفر فرصه أصلا في غزة بسبب حرب الإبادة وسط ظروف معيشية قاسية وقصف مستمر.

مازحا، يقول فياض لصحيفة "فلسطين": "سأرش على أفراد عائلتي الملح كالفسيخ ليصمدوا أمام شدة الحرب وضنك العيش". وفي وقت يجبر الاحتلال المواطنين المنهكين على النزوح، فإنهم لا يجدون حتى وسيلة لنقل أفراد عائلاتهم أو ما تبقى من فراش أو متعلقات شخصية. وإضافة إلى إصابته وبتر رجله اليمنى، استشهد أخوه وأخته وابنتها عندما قصف الاحتلال منزل العائلة دون إنذار على رؤوس من فيه. يرى فياض أن "ضمير العرب والمسلمين مات"، متسائلا بلهجته الغزية: "هو في ضمير يا زلمة؟ أي ضمير وكل يوم الأطفال بيموتوا ولا ملاقيين أكل ولا شرب؟". ويتحسر كون "الأجانب يهبون لمساعدة بعضهم البعض، لكن العرب والمسلمون لا يفعلون ذلك". ويصف الدولة العظمى في العالم "أمريكا" التي تمد (إسرائيل) بالسلاح وتوفر لها الغطاء السياسي بأنها "الفساد بحاله".

"لا يحرك ساكنا" وسط ما يبدو أنه مكب للنفايات وسط مدينة غزة، يحرق الخمسيني جهاد حنونة ما يستطيع ويكنس في محيط منزل من طابق واحد مدمر بشكل شبه كلي، محاولا تهيئته ليكون محطة النزوح القسري الحالي لأسرته. "بيتي انقصف بمخيم جباليا، وهذا بيت أقاربي أحاول تنظيفه والحمد لله كما ترى، لا يوجد مكان آخر"، يمسح حنونة شيئا من عرقه المتصبب، مضيفا لصحيفة "فلسطين" وقد كاد دخان احتراق النفايات يخنق أنفاسه: "هذا المكان غير صالح للسكن، لكن ما في اليد حيلة، سآوي إليه مجانا... لا أملك المال".

يعاني الرجل الذي أثقلت ظهره محاولاته تدبير تفاصيل العيش، من مرضي السكر والضغط، وفي كثير من الأحيان لم يجد علاجا، واضطر إلى تقليص الجرعات الدوائية. وينطبق ذلك أيضا على زوجته المصابة بمرض الضغط، وخضعت في حياتها لتسع عمليات ولادة قيصرية أنهكت جسدها، وتجد نفسها الآن تائهة في غياهب النزوح والجوع والعطش.

وفوق كل ذلك، يعيش حنونة وعائلته كما كل الغزيين تحت خطر القصف المستمر برا وبحرا وجوا، والذي خطف ستة من أبناء أخيه. وأمام تلك المعاناة الرهيبة، ينظر حنونة بسخرية أيضا إلى اليوم الدولي للضمير، قائلا: "العالم لا يحرك ساكنا. أولادنا شهداء وبيوتنا قصفت ونعاني من المجاعة وضيق المعيشة وانعدام المال، والعالم ساكت". "حتى لا يكون شعارا" لكن أيا منهم لا يملك الثقة بأن العالم سيتحرك، مستندين في هذا الشعور إلى واقعهم الحالي، وإلى 77 سنة من النكبة المستمرة. من قلب الوجع، ترسم الشقيقتان أبو عودة مسارا بسيطا ليصدق اليوم الدولي للضمير قولا وفعلا. بكلمات بسيطة، تطالبان العالم بأن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأن ينظر بجدية لمعاناة الأطفال والنساء، والمرضى والمسنين، وأن يتحلى بشيء من الإنسانية لوضع حد لحرب الإبادة. كذلك فياض يريد من "المجتمع الدولي" أن يتخذ موقفا حقيقيا لوقف حرب الإبادة وشلال الدماء الذي يفتك بالمدنيين العزل على مدار الساعة في قطاع غزة. أما حنونة فيقول وقد بدا عليه اليأس: "لابد للعالم أن يتحرك تجاه شعبنا الفقير الميت من الجوع في ظل إغلاق المعابر. لا طحين ولا خبز. مش شايفين معاناة الشعب الفلسطيني؟".



فلسطين أون لاين