في خضم التصعيد العسكري المستمر في غزّة تتكشّف تقارير تظهر خطط إسرائيل لمستقبل القطاع خلال المرحلة المقبلة.
هجوم بري شامل واحتلال اراضٍ لفترة غير محددة، والقضاء على ما تبقى من المقاومة الفلسطينية في القطاع هي أهداف الجيش الإسرائيلي الذي بات يتطلع إليها أكثر من المرحلة السابقة.
هذه الخطة تبرز من خلال اعداد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيَال زامير، بدعم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتقوم على تنفيذ هجوم بري شامل لتغيير وجه المعركة في غزّة بشكل جذري. في وقت يكمن السؤال بأن هذه الخطة الإسرائيلية هل ستكون نهاية لأي محاولة لابرام اتفاق للتهدئة في غزّة؟ وهل سيكون الاحتلال للقطاع لفترة غير محددة المدة بداية لفصلٍ جديد من النزاع؟!
التقارير الواردة للوسطاء مقلقة للغاية، ولكل من كان يبحث عن ايجاد بصيص أملٍ للبحث عن حلم وقفٍ لاطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي!
خطة زامير الذي يعد بأنّه الأكثر ميلاّ للحسم العسكري من سابقيه؛ إذ يؤمن بالهجوم والحسم العسكري، لتتغير صورة الحرب التي يقودها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة، خصوصاً وأنه قادم من سلاح المدرعات ويميل بطبيعته إلى الهجوم المباشر دون اكتراث لتبعاته!
حسب توقعات المستوى السياسي في إسرائيل فإنّ رئيس هيئة الأركان زامير سيكون ملزماً بتنفيذ سياسة الحكومة المتطرفة وهذا ما تذهب اليه إسرائيل، لا سيما وأن ذلك يتطابق مع خلفيته العسكرية في سلاح المدرعات، وهي السياسة العسكرية الاسرائيلية الجديدة في قطاع غزّة المدمر.
الجيش الاسرائيلي ينفذ خططاً عسكرية فقط ولا يضع السياسات، ولا علاقة له في وضع السياسات العليا التي تؤثر على الأمن القومي أو على مستوى إسرائيل.
كما أنّ زامير ينفذ أوامر الحكومة المتطرفة، أكثر منه يشارك في صياغة هذهِ السياسيات التي تريدها إسرائيل، وتكمن الخطة بعيدة المدى في السيطرة الاسرائيلية التامة على قطاع غزّة من أجل استمرار الحرب، وتنفيذ مخططات اليمين الإسرائيلي في القطاع.
من المؤكد أن الجيش سيسيطر على قطاع غزّة، وربما إسرائيل تذهب إلى اتفاق تهدئة لمدة شهر أو شهرين لإطلاق سراح ما تبقى من أسرى ومحتجزين، على ألا تؤدي إلى وقف الحرب في القطاع؛ لأن هذا ما لا تريده إسرائيل خلال المرحلة المقبلة.
بعض المعارضة داخل الجيش الاسرائيلي يرون أنّ هذا سيؤدي إلى حرب استنزاف طويلة المدى للجيش وتكبيده خسائر فادحة، خصوصاً بعد 471 يوماً من الحرب المتواصلة منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر 2023، قُبيل التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار استمر لمدة الشهرين، قُبيل أن يتم خرقه من الجانب الإسرائيلي في الثامن عشر من آذار الماضي.
التهور الاسرائيلي لاحتلال القطاع والسيطرة عليه والتحكم في ادخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، هي سياسات إسرائيل التي لا تأخذ بعين الاعتبار المواقف الدولية الرافضة لسياساتها ولا لجهود الوسطاء ولا التخوفات الدولية المناهضة لها.
إسرائيل قبل عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كانت تستمع للضغوط الأميركية والإدارة الأميركية وتنصاع إليها بعض الشيء، لكنّ هذه الإدارة اليوم تعمل لصالح إسرائيل؛ إذ أنّ واشنطن تتفهم وتدعم التوجه الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ إسرائيل اليوم غير معنية بوقف الحرب، طالما واشنطن تقف إلى جانبها، وتساندها بكل ما لديها من إمكانيات ودعم مطلق النظير.
نتنياهو يشعر براحة أكثر للاستمرار في الحرب، من فترة الادارة الأميركية السابقة كونها تقف إلى جانبه.
من المؤكد أنّ السيطرة طويلة المدى على قطاع غزّة ستخلق مشاكل جديدة لإسرائيل دون اكتراث لها، فحينها لا يستطيع نتنياهو الاستمرار في حرب طويلة المدى في القطاع في ظل وجود أكثر من مليوني فلسطيني فيه، وبالتالي ستكون إسرائيل مسؤولة عنهم فعلياً من ناحية إدخال المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية. ما يجري الآن في القطاع هو دعم لخطط إخلاء القطاع والتهجير القسري، لاجبار قاطنيه على التهجير القسري والهروب من هذا الموت الجديد، وهو الهدف الأساسي لاستمرار العمليات العسكرية في القطاع.
اليوم اليمين الإسرائيلي المتطرف لديه آمال واهنه بتهجير أهالي القطاع ليتمكن من الاستيطان في قطاع غزّة، دون ادراك لتبعات ذلك، وانعكاساته على أمن إسرائيل الذي طالما يتحدث عنه نتنياهو، الذي لا يريد أن يدرك أنّ معادلة الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين متساوية على حدٍ سواء، ولا يمكن تحقيقها بمعزلٍ عن إقامة الدولة الفلسطينية عند حدود الرابع من حزيران لعام 1967. اليمين الإسرائيلي لديه آمال بمخطط التهجير وإن تراجع ترامب عنها، وهو ما يتضح من سياسة الجيش الاسرائيلي الذي يعمل على سياسة الإقصاء والإبعاد القسري للسكان في مخالفة للقانون الدولي، لكن ذلك هو ما تريده الحكومة المتطرفة!.
نتنياهو يسعى أن يكون برنامجه الانتخابي في الانتخابات المقبلة في نهاية العام 2026 قطاع غزّة والشأن الفلسطيني أكثر من الحديث عن القضايا الجوهرية التي تشكل أولويات الشارع الإسرائيلي الذي يتطلع إلى محاربة الفساد والبحث عن الأمن والاستقرار.
يضاف إلى ذلك أنّ نتنياهو يدرك بأنّ شعارات محاربة الفساد وغير ذلك من قضايا من شأنها أن تكبده خسائر فادحة وهي غير مجدية له، مقارنة بالموضوع الفلسطيني الذي يعتبر الورقة الرابحة لتمكينه من الظفر بالانتخابات، نظراً لاعتبارات مرتبطة بتطرف الشارع الإسرائيلي، وبالتالي مصلحته تكمن في استمرار الحرب التي تدور رحاها حول الجوانب الجدلية المتعلقة في الملف الفلسطيني.
القيادة السياسية الاسرائيلية اليوم تحوز على ٦٨ مقعداً في الكنيست الإسرائيلي وبالتالي نتنياهو مرتاح على الصعيد السياسي، وثمة التغيير الذي حدث على مستوى القيادات العسكرية أبرزهم رئيس الأركان، وبالتالي فهو يميل إلى استخدام الآلة التي تعامل معها لفترة طويلة، فهو على قناعة تامة بأن القصف الجوي لا يؤدي إلى إنهاء المقاومة أو احتلال القطاع دون تحقيق أهدافه البرية.
التحركات العسكرية الإسرائيلية على الأرض تُظهر مسعى إسرائيل لتقسيم قطاع غزّة، كما أنّ خطة زامير تكمن في تقسيم القطاع إلى مناطق معزولة من خلال إنشاء محاور وممرات أمنية، مثل محور موراج ونتساريم، لعزل المناطق وفصل مدينة رفح عن خان يونس، وقطع الاتصال بين شمال القطاع وجنوبه.
تسعى إسرائيل، بحسب الخطة، إلى إنشاء مناطق عازلة دائمة، ما يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات سابقة مثل «محور فيلادلفيا» على حدود غزة ومصر. هذه التحركات، تمهد لمرحلة تقسيم دائم للقطاع وفرض واقع جديد يُصعّب أي حلول سياسية قادمة ويحول دون تحقيقها.
إسرائيل تصعّد من هجماتها على القطاع، في ضوء وجود مؤشرات حول نيتها تقسيمه إلى 4 مناطق منفصلة تتضمن جزراً سكانية محاصرة وهي مساحة تقدر بنحو ٤٠ بالمئة من مساحة القطاع المنكوب، في وقت منحت الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لحكومة بنيامين نتنياهو لتوسيع الحرب في غزّة، وأيضاً في الضفة الغربية، لدفع قيادة حماس على القبول باقتراح إطلاق سراح نصف عدد المحتجزين الإسرائيليين لديها.
ويفكر نتنياهو في الاحتلال لغزّة ثم الثبات والبقاء فيها، وهو ما يمنحهم فرصة اطول للبقاء في القطاع الذي سقط فيه خلال تسعة عشر يوم من عودة الحرب الأحادية الجانب للقطاع وخرق اتفاق الوسطاء، نحو 1200 شهيداً معظمهم من النساء والأطفال، ومن ثم التحكم في التجويع والتعطيش ومنع الأدوية عن قاطني القطاع، وبالتالي فإن من يصاب من أهالي غزّة هو معرض للموت أكثر من الشفاء جراء عدم توفر المستلزمات الطبية وعدم فعالية المستشفيات، وبالتالي فإنّ ذلك هو جزء من مخطط التجويع ومن ثم التهجير.