بين اللام الشمسية والقمرية .. وجع يُرى ووجع يُخفى!

mainThumb
سالي الأسعد

25-03-2025 05:19 PM

printIcon

 

 


سالي الأسعد
لام شمسية ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية، القمرية زي ما هي زي الباب والعين والقلب، والشمسية متخبية زي السر وزي الذنب.
القمرية لام منطوقة موجودة في كل الأحوال
والشمسية لام مسروقة
مش كل المكتوب يتقال

عبارات جاءت على لسان يوسف، بطل لام شمسية، طفل بحمل كل براءة الدنيا، وكل أوجاعها … وهاي الكلمات بكل بساطة خلاصة المسلسل كله.

أشياء واضحة وصريحة، وأشياء مخباية بين السطور، تمامًا زي الحقيقة اللي أوقات تكون واضحة قدامنا بس إحنا اللي مش شايفينها، أو يمكن مش بدنا نشوفها.

لام شمسية مش مجرد قصة درامية نتابعها ونعيش أحداثها وننساها بعدين. لا، المسلسل مثل المرآة اللي انعكست فيها تفاصيل إحنا يمكن نكون شفناها بحياتنا اليومية بس تجاهلناها.

لام شمسية ما بحكيلنا عن التحرش كحادثة فردية، هو بيفتح ملف كاملاً عن السكوت، عن الخوف، عن المجتمع اللي دايماً عنده استعداد يلوم الضحية وما يواجه الحقيقة.

الحوار، المشاهد، الأداء، كله كان مدروساً بطريقة تخليك تحس أنك جزء من القصة، كأنك واقف بمكان يوسف وشايف بعينه، شاعر بالخذلان، بالخوف، بالغربة بين ناس المفروض يكونون أمانة وسنده.

المذهل في كل ما يقدمه المسلسل انعدام المبالغة تماما، كل شيء كان صادقاً، حقيقياً، مؤلم بس بالوقت نفسه ضروري.

التمثيل تحديدًا كان استثنائياً، الطفل البطل علي البيلي أدى دور يوسف بطريقة أو بأخرى بتقدر إلا تنبهر فيها. نظراته، نبرة صوته، التردد والخوف اللي كان واضحاً حتى بحركة أيده، كلها تفاصيل بتخليك تحس إنه الولد مش بيمثل، هو عايش القصة فعليًا.

في وسط كل هذا الألم، كانت شخصية الأم التي جسدتها أمينة خليل مثالًا حيًا على الصراع الداخلي بين الإدراك والإنكار. لم تكن مجرد أم غافلة، بل امرأة تحمل ندوب طفولتها الخاصة، ندوب جعلتها تتأخر في رؤية الحقيقة، ربما لأنها شعرت بالخوف نفسه يومًا ما، أو لأنها تعلمت أن الصمت هو الأمان.


لكن ما يميز هذه الشخصية هو التحول، اللحظة التي بدأ فيها وعيها بالاستيقاظ، اللحظة التي جعلتها تدرك أن هناك شيئًا خطأ، وأن تجاهله يعني تكراره. كانت رحلتها داخل المسلسل مؤلمة وحقيقية، تمثل كثيرًا من الأمهات اللواتي يحتجن إلى وقت ليفهمن أن أولادهن بحاجة إلى حمايتهن، وليس فقط لرعايتهن.

المسلسل كمان اشتغل على الرمزية بشكل عبقري. من اختيار اسم “لام شمسية” اللي يعبر عن الأشياء اللي ما بتنقال، لقطات الكاميرا اللي دايماً بتخليك حاسس بالضيق وكأنك محبوس مع يوسف بمشاعره، الموسيقى اللي كانت كأنها بتكتم صوت الحقيقة وتزيد التوتر. حتى الحوارات كانت محكمة، كل كلمة بمكانها، كل جملة تخدم الهدف، بدون تطويل ولا مشاهد بلا معنى.

والمهم، أنه لام شمسية ما بيعطيك حلاً جاهزاً، ما بقولك “هيك المفروض يكون”، بس بفتح عيونك على شيء خطير، على واقع موجود حوالينا، بس للأسف قليل اللي مستعد يحكي عنه.

الفرق بين اللي بشوف المسلسل كقصة واللي بشوفه كرسالة، هو إنه الأول بيسكر التلفزيون ويكمل حياته، أما الثاني فراح يضل المشاهد عالقة برأسه، وراح يبلش يسأل حاله: “قديش في قصص متخبية حوالينا وما بنعرفها؟ قديش في أطفال بيعيشوا خوف يوسف بس ما عندهم حتى المساحة ليحكوا؟”

الإخراج عبقري، الكتابة متماسكة، الأداء صادق لدرجة توجع. هذا عمل مش معمول عشان ننساه، معمول عشان يظل يرنّ في عقولنا، يخلينا نفكر، نسأل، ونحمي أطفالنا قبل ما يصيروا ضحايا لام شمسية أخرى، مخفية بين السطور، ساكتة وما حدا سامعها.


المسلسل هذا رسالة واضحة: الحقيقة ما لازم تنحط تحت سجادة المجتمع، وما لازم نكون جزءاً من دائرة الصمت. لأنه بالنهاية، اللام الشمسية حتى لو كانت مكتوبة وما نطقت، هذا ما يعني أنها مش موجودة!