التكايا في فلسطين… باقية وتتمدد

mainThumb
التكايا في فلسطين… باقية وتتمدد

23-03-2025 02:47 PM

printIcon

أخبار اليوم - قبل أن يحل رمضان بشهر تقريبا فتحت «تكية دير الغصون» شمال محافظة طولكرم في الضفة الغربية، وهي حتى اللحظة توزع يوميا أكثر من 1500 وجبة طعام للنازحين إلى البلدة وهم مهجرون من مخيمات شمال الضفة الغربية.
ويشرف على التكية التي يقودها الحراك الشبابي الفلسطيني الخيري نحو 30 متطوعا إلى جانب مجموعة من السيدات المتطوعات، ويتعهد القائمون على التكية بتقديم الوجبات بشكل يومي حتى ما بعد انتهاء الشهر الفضيل.


وبهمة وحماس يقول نضال الشولي إن «من يأتي على الدير لا يطاله الضيم»، ويكرر حديثه: «لا أحد يجوع في الدير»، وهو وأن كان يرفع هذا الشعار فإنه يطلب من أهالي الخير استمرار العمل على توفير أعلى درجات الخدمة للناس المحتاجة.
وتقدم التكية التي تعمل من خمس سنوات وجبات الفطور والسحور إلى جانب المساعدات العينية مثل: الملابس والأغطية والفرشات، وهي بتلك المهام تتلقى أسنادا لافتا من الأهالي ورجال الخير والمؤسسات الأهلية المدنية في البلدة.
ويتعهد الشولي باستمرار تقديم الطعام لما بعد الشهر الفضل، رغم أن الطلب على طعام التكية تضاعف بعد ان كان في السنوات الماضية ما بين 600- 800 وجبة يوميا.


وفي بلدة جبع جنوب الضفة الغربية ينشط مواطنون متطوعون إلى جانب المجلس البلدي لتوفير الطعام من خلال تكية مستحدثة لخدمة المواطنين والمهجرين القادمين من مخيم جنين.
وتشرف على التكية جمعية جبع الخيرية حيث تتعامل مع عشرات العائلات من مخيم جنين إلى جانب عائلات البلدة المتعففة، ومنذ أكثر من شهرين تقوم بتوفير وجبات الطعام يوميا للعائلات المهجرة والمستورة في البلدة.
وحتى اللحظة هجرت العملية العسكرية، التي تحمل اسم «الأسوار الحديدية» التي انطلقت شمال الضفة الغربية واستهدفت مخيمات: جنين، طولكرم، نور شمس، والفارعة، إلى جانب مخيم عين الماء في نابلس، أكثر من 40 ألف فلسطيني ومنعت عنهم كل سبل الحياة الكريمة إلى جانب تدمير منازلهم ومصادر عيشهم.


وفي الخليل جنوب الضفة الغربية، حيث أقدم التكايا وهي التكية الإبراهيمية زاد معدل الاقبال على الطعام الذي تقدمه بفعل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها الضفة الغربية حسب تصريحات القائمين عليها.
وتكتسب التكية شهرة محلية، ويعود اسمها إلى المسجد الإبراهيمي المجاور لها في البلدة القديمة بالخليل، والذي يحمل اسم النبي إبراهيم الخليل عليه السلام.


يذكر أن التكية التي تعتبر الأقدم فلسطينيا تأسست إبان حكم الأيوبيين، بين عامي 1174 و1250 ميلادية، إلا أن التكايا ازدهرت في ظل الحكم العثماني، وتعددت وظائفها بين إقامة حلقات الذكر وإطعام الفقراء وعابري السبيل، ثم اقتصرت وظيفتها على إطعام الفقراء، خاصة في رمضان.
وعلى ذات الخطى تسير «تكية الأمير قيس» في بلدة ترقوميا في مدينة الخليل، وحسب القائمين عليها فإن التكية التي بدأت أنشطتها قبل سنوات ثلاث تضاعف أعداد الوجبات التي تقدمها في ظل تزايد أعداد العاطلين عن العمل من فئة العمال الذين كانوا يعملون في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948.
يذكر أنه وبعد السابع من أكتوبر 2023 فقد أكثر من 178 ألف فلسطيني علمهم في الأراضي المحتلة عام 1948، وكان هؤلاء يتلقون متوسطا للأجور يصل إلى 400 مليون دولار شهريا، غير أن كل هذه الأموال التي كانت تنعش الاقتصاد الفلسطيني لم تعد موجودة منذ ما يقرب من العامين.


وإلى جانب منع العمالة من دخول الأراضي المحتلة عام 1948 وسع الاحتلال من حواجزه العسكرية حيث أقام نحو 900 حاجز وبوابة في عموم مناطق الضفة الغربية، وهي أمور أفضت إلى أن تصل نسبة البطالة 51 في المئة، حيث بلغت أعداد العاطلين في الضفة ما بين 200- 300 ألف، فيما يتراوح الانكماش الاقتصادي ما بين 28- 29 في المئة.
ويعود تسمية التكايا إلى الفترة العثمانية، وهي ترمز لمبانٍ خصصت لتكون مركزاً لرباط الصوفية، وملجأ للمنقطعين للعبادة، والمنقطعين في طرقات سفرهم، وتُشَكِّل معلماً تاريخياً هاماً للدلالة على روح التضامن في الإسلام.


وتاريخيا قامت الدولة العثمانية بالإنفاق على التكايا من خلال أوقاف خصصتها لها، وعملت على صرف مرتبات شهرية على قاطنيها من الدراويش والمساكين، فسُمِّيَت بالتكية لأن أهلها يتّكئون ويعتمدون في أرزاقهم على معاشاتهم التي يأخذونها من التكية.
وتطورت وظيفة التكايا في العصر العثماني، فلم تعد تقتصر على تقديم الطعام والمسكن كما كان حالها أيام الأيوبيين والمماليك، بل أصبحت مكاناً للعلاج، بدلاً عن «البيمارستانات» (وهي كلمة فارسية أيضاً وتعني: دار المرضى، أو دار الشفاء، وفي عصرنا الحديث هي المستشفيات) التي كانت تقوم على وظيفة العلاج أيام المماليك، لكنها أُهملت في العصر العثماني فقامت التكايا بهذه الوظيفة.


ورغم أن التكية مفهوم تاريخي مرتبط بالدولة العثمانية كما تشير مجموعة من المصادر التاريخية إلا أن الملاحظ في الحالة الفلسطينية انها باقية وتتمدد، حيث يتزايد الإقبال عليها بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدم سياسات عمادها التجويع كسلاح.
وحسب أنمار رفيدي – الباحثة في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني «ماس» فإن المؤشرات الأولية للواقع في الضفة الغربية تُفيد بأن هناك وضعا إنسانيا صعبا في شمال الضفة الغربية، فتهجير ما يزيد عن 40 ألف فلسطيني بطبيعة الحال له آثار مُباشرة على الأمن الغذائي (هنا أيضاً ضمن إطار spillover effect) وذلك ارتباطاً بتراجع أبعاد انعدام الأمن الغذائي المُختلفة، مثل التحضير الآمن للطعام (بسبب انقطاع الكهرباء والمياه)، وتنوع الغذاء، وسهولة الوصول الاقتصادية والمادية له. ومع العملية العسكرية ومُحاصرة المخيمات، جنين مثلاً، قامت قوات الاحتلال أيضاً بمنع دخول الغذاء على السُكان المحاصرين.


وتكمل رفيدي في حديث خاص لـ«القدس العربي»: «على الرغم من محاولة المنظمات الدولية توفير المساعدات النقدية والغذائية للأسر، يبقى الوضع يُنذر بخطورة، وبالتحديد في ظل الدمار الشديد للمنازل والمرافق المُختلفة وبالتالي هو بحاجة لجهود هائلة».
وتشير رفيدي إلى أن الواقع يؤشر على أهمية وجود استراتيجيات حماية للفلسطينيين باستمرار تحسباً لمثل هذه المواقف في ظل سياق الاحتلال، مثل وجود مخزون غذائي أو مواد أساسية دائما في المناطق، وتدابير حماية أخرى تُعزز من صمود المواطنين. مثال الحدائق الغذائية المنزلية التي انتشرت في الانتفاضة الأولى عام 1987 وهي إحدى الآليات التي يُمكن استحداثها لتحقيق اكتفاء ذاتي، حتى وإن كان محدودا للصمود الغذائي مستقبلاً في ظل تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في الضفة الغربية.


وحسب برنامج الغذاء العالمي يُرجح بأن عدد غير الآمنين غذائياً في الضفة الغربية ارتفع حوالي 42 في المئة من قبل العدوان ليصل إلى 600 ألف شخص.وحول واقع الأمن الغذائي في المناطق المصنفة (ج) ترى رفيدي أنها المناطق الأكثر تأثراً بانعدام الأمن الغذائي.
وتكمل: «هذا ليس أمراً حديثا. تاريخياً، يُعاني سٌكان هذه المناطق، وبالتحديد البدو، من معدلات عالية من الفقر، إذا ما قورنت ببقية الضفة الغربية (باستثناء مخيمات اللاجئين، والذين مؤشرات الفقر لديهم تتأثر بعوامل مختلفة). بينما كانت هذه المناطق هي السلة الغذائية للضفة الغربية سابقاً، إلا أن منع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من استغلال الأراضي الزراعية، ومنع الوصول إلى الموارد الطبيعية، بما فيها المياه، وكذلك تخريب المحاصيل الزراعية تمهيداً لتهجير السُكان، يحد بشكل كبير من إنتاجية هذه المناطق، الأمر الذي ينعكس على سكانها الذين كانوا يمارسون الزراعة. إضافة إلى ذلك، فإن التجمعات البدوية والرعوية تشهد مُحاولات حثيثة للتهجير، إما بشكل مُباشر أو الترحيل القسري نتيجة لتقليص الخدمات الأساسية المُتاحة لهم، مثل إمدادات المياه، والكهرباء، وهدم مواقع السكن، وما إلى ذلك، وهذا ينعكس على مُعدلات الفقر، وبالتالي على القدرة الاقتصادية للوصول إلى الغذاء».


وتصف رفيدي طبيعة التدخلات الرسمية للتغلب على واقع الأمن الغذائي في شمال الضفة الغربية ومناطق (ج) بالجهود العشوائية، «فهي ليست ضمن إطار تحقيق أمن غذائي وحماية بشكل مستدام للمواطنين. هناك بالفعل تدخلات رسمية، وإن كانت جزئية ونطاق تغطيتها محدود. على سبيل المثال، وزارة الزراعة أطلقت حزمتي مُساعدات لدعم المُزارعين والمُنتجين (للثروتين الحيوانية والنباتية) لتعزيز الصمود، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة التنمية وسلطة النقد. إلا أن هذه الحُزم أو المشاريع كان نطاقها محدودا من ناحية عدد المُزارعين أو العمال الذين استفادوا منها. وجميع هذا مهم ويجب تشجيعه، ولكن بطبيعة الحال هذا يطرح سؤالا مهما حول دور هذه التدخلات الرسمية في التغلب على واقع الأمن الغذائي، بالتحديد كون العمال الذين خسروا وظائفهم في كلٍ من القطاع الخاص الفلسطيني والمستوطنات الإسرائيلية يتجاوز الـ200 ألف، وبالتالي يبقى نطاق هذه المشاريع محدودا، ولهذا انعكاسات هائلة على قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية. كما أن هناك تساؤلا مهما يجب طرحه حول استدامة هذه المشاريع ودعمها المستقبلي في حال تعرض المُزارعون إلى هجمات أو تعرضت الأراضي الزراعية للتخريب».


وتطالب الباحثة رفيدي بأهمية الانتباه لسلوك المواطنين أثناء العدوان والتراجع الاقتصادي، وبالتحديد فيما يتعلق بتوجه الفلسطينيين للنشاط الزراعي للاستعاضة عن العمل في المستوطنات. هناك العديد من المُبادرات والنماذج التي برزت في هذا الخصوص وبالتحديد في قرية بيت دجن، للعودة إلى الأرض لتأمين احتياجات العائلات الغذائية، وتوفير دخل للأسرة، وكانت إيجابية وناجحة على مدار العام الماضي.
وتشدد: «يُمكن لهذه النماذج وغيرها من تعاونيات زراعية شبابية أن تُشكل مثالا لآخرين يُحتذى به لأهمية النشاط الزراعي المحلي، ودوره في تأمين دخل مُستقل للعائلات، بعكس العمل في المستوطنات الذي انقطع فجأة وترك العائلات بدون دخل».
وترى الباحثة رفيدي أن الأزمة الراهنة أظهرت عدم استدامة العمل في المستوطنات، وأثره على دخل العائلات وقدرتها على تحصيل احتياجاتها الأساسية الغذائية وغير الغذائية، وهذا قد يكون مؤشرا إيجابيا للمضي قدماً.
وتؤكد على أن هذه المُبادرات بحاجة لدعم وتشجيع وتعزيز من الحكومة والقطاع الخاص لضمان استمراريتها واستدامتها لتُصبح ظاهرة أوسع بدلاً من ظاهرة محصورة في بعض القرى أو المجموعات.


وتُعرف منظمة الأغذية والزراعة العالمية انعدام الأمن الغذائي على أنه الحالة التي لا يتمتع بها جميـع الناس، فـي ذات الوقت، بفـرص مادية، اجتماعية، أو اقتصادية كافيـة للحصول على الغذاء الآمن والصحي بما يوافي متطلباتهم الغذائية وتفضيلاتهم الغذائية لحياة صحية.
ويتأثر الأمن الغذائي في العالم بمجموعة مـن العوامل منها الصدمات الاقتصادية، والتغيرات المناخية، ومحدودية الموارد، والصراع.
وفي فلسطين، ترتبط ثلاثة من هذه العوامل الأربعة، بسياسات الاحتلال الإسرائيلي والتي تُهدد فُرص تحقيق الأمن الغذائي، وبشكل مباشر تمنع توافر الغذاء، كما وتحول دون قدرة الأفراد على إنتاج الغذاء أو الوصول له.


وحسب النشرة الدورية في مجلة «الأمن الغذائي» (العدد 29 خريف وشتاء 2023) الصادرة عن معهد ماس فقد تسببت هذه السياسات بمعاناة ُثُلث الفلسطينيين من انعدام الأمن الغذائي 33.6، 90 في المئة منهم يعيشون في قطاع غزة.
وحسب النشرة الدورية لا يتأثر الجوع كمتغير تابع للحرب ونتيجة له فحسب، بل يصبح الجوع بحد ذاته أداة ُتُستخدم في كثير من الأحيان كإحدى أسلحة الحرب «المحرمة دوليا» والتي تُفضي إلى إضعاف الطرف الآخر من خلال تجويعه وضرب بنيته الإنتاجية.
وجاء في النشرة أن آثار الحروب والاعتداءات تأخذ أبعادا تتجاوز التدمير البنيوي والبشري، بل وتأخذ آليات السيطرة والهيمنة أشكالا أخرى إضافة إلى هذه الأبعاد. ويتم تسليح الجوع عبر مجموعة واسعة من الآليات والسياسات الُمُباشرة وغير الُمُباشرة والتي تعمل جميعها بشكل مُتكامل لتهديد النظام الصحي والقضاء على فعاليته.


وجاء في النشرة أن الحصـار يعد الحالة الدراسية الُمُثلى لمفهوم «تسليح الجوع»، فهـو أحد أشـكال أساليب الحرب «البطيئة» والتي يعتمد عبرها الطرف الُمُحاِصِر علـى نفاد الغذاء والُمُعدات الأخرى التي تضمن الحفاظ على وحدة الطرف الُمُحاصر لتفتيـت هذه الوحدة.
وتعاني الضفة من حصار اقتصادي يلقي بظلاله علـى أزمات انعدام الأمن الغذائي عبر أزمات اقتصادية تحد من قدرة الأفراد الوصول للطعام، إلا أن تجويع الفلسطينيين عبر إفقارهم لم يأت كنتيجة طبيعية لانعدام الأمن الاقتصادي، بل كان متعمدًا وممنهجا حسب نشرة «الأمن الغذائي».


وينتقد نشطاء في جنين وطولكرم سياسات الحكومة ودورها في التدخل بهدف حماية آلاف اللاجئين المهجرين، غير أن آخر تحديث في نشر مركز الاتصال الحكومي حول أبرز التدخلات الحكومية الإغاثية في شمال الضفة حمل أن الحكومة خصصت نحو 34 مليون شيقل للتدخلات الطارئة في شمال الضفة في أقل من 4 أشهر، كما سيرت أكثر من 30 شاحنة من المساعدات الغذائية والصحية. كما أقر مجلس الوزراء في جلسته 18/2/2025 صرف 3.2 مليون شيقل كدفعات إسعافية جديدة للجان الطوارئ في محافظات شمال الضفة واللجان الشعبية، توزعت على النحو التالي: تخصيص مليون شيقل لصالح لجنة طوارئ محافظة جنين للاستجابة الطارئة للإيواء. تخصيص مليون شيقل لصالح لجنة طوارئ محافظة طولكرم للاستجابة الطارئة للإيواء. تخصيص 500 ألف شيقل لمحافظة طوباس. كما عملت على تخصيص مبلغ 300 ألف شيقل لصالح بلدية طمون، و 100 ألف شيقل كدفعة إسعافية لكل لجنة شعبية في 4 مخيمات (جنين، طولكرم، نور شمس، الفارعة).


يذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز ما يقارب 7 مليارات شيقل من أموال المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية) منذ عام 2019 وحتى شهر شباط/فبراير الماضي، رافضة تحويلها إلى دولة فلسطين حسب بيانات وزارة المالية الفلسطينية.