آلاء العرابيد .. ناجية وحيدة غابت عن نظرة الوداع الأخيرة لبناتها وزوجها

mainThumb
آلاء العرابيد.. ناجية وحيدة غابت عن نظرة الوداع الأخيرة لبناتها وزوجها

20-03-2025 12:37 PM

printIcon

أخبار اليوم - "بنتك مصابة مش شهيدة".. لم يكن ما قاله الطبيب كافيًا لإدخال الفرح على قلب الحاج محمود العرابيد الذي تأكد فيه من نجاة ابنته "آلاء" أو لالتقاط أنفاسه في أثناء بحثه في ثلاجات الشهداء، ففي تلك اللحظة القاسية تعثر بجثامين بناتها الأربع ووالدهن، في مشهدٍ أدمى قلبه وأنزل دموعه، ليجلس بين الجثامين حتى حلول الصباح في لحظة الوداع الأخيرة والذي حمل قلبه وحده ثقل الخبر وقسوته.

وبينما كان الأطباء يجرون عمليات جراحية لعلاج إصابة آلاء الناجية الوحيدة من المجزرة الدموية التي ارتكبها الاحتلال فجر الثلاثاء باستهداف برج الأندلسية غرب مدينة غزة، حمل الجد جثامين حفيداته ووالدهن، يرتدين الكفن بدلاً من ملابس العيد الذي انتظرنه بفارغ الصبر، على أمل أن يعشن فرحة حرم منها أطفال غزة، تعوض ما واجهه الأطفال خلال حرب دموية سلبت كل فرحة وقتلت آمالهم بحياة خالية من الموت.

في المقبرة، لم تتوقف دموع الجد المكنى "أبو محمد" عن مغادرة عينيه، يقف أمام جثامين حفيداته: مها (12 سنة) وميرا (10 سنوات) وجوانا (8 سنوات) وليان (4 سنوات) ووالدهن محمود باسم العرابيد، يلقي نظرة الوداع الأخيرة التي غابت عنها والدتهن وهو يضع كل شقيقتين في قبر واحد، ووضع جثمان والدهن في قبر ابنتيه جوانا وليان. في تلك اللحظة غلبت الذكريات الجميلة قسوة اللحظة المؤلمة، فقبل إنزال الجثامين للقبر كانت مشاهد من الحياة تقفز أمام عينيه، وهن يفتحن له أبواب بيتهن، أو تتسابق ليان وجوانا لاحتضانه أولاً، أو عندما يداعب مها وميرا والأخيرة كان قد خبأ لها هدية في يوم ميلادها.

تفاصيل مغيّبة على أحد أسرة قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء بمدينة غزة، تغيب "آلاء" عن الوعي وتغيب عنها التفاصيل التي تعرفها كل عائلتها بينما هي تتصارع مع آلامها بعد إصابتها برضوض بالرأس والعين واليد نتج عنها بتر إصبعين، إضافة لإصابة بمنطقة المعدة، وشظايا بالقدم، ولا تدري أن الجرح الذي ستفتحه لاحقا وسينزف منه قلبها حزنا وألما، أكبر من جرحها الحالي. الساعة الثانية فجرًا، وبعد توالي الانفجارات التي هز دويها سماء قطاع غزة، وورد أخبار عن استهداف الطابق الخامس ببرج "الأندلسية"، هرع العرابيد إلى هاتفه محاولاً الاتصال على ابنته التي لم ترد على المكالمة، ما أعطاه علامة بوجود أمر ما، "حملت نفسي وذهبت للمشفى، خاصة أنني علمت أنهم سقطوا من الطابق الخامس إلى الأرض المجاورة، كنت أبحث عنها بين جثامين الشهداء لكني لم أجدها، وذهبت إلى الطبيب لكي أسجلها شهيدة، فقال لي: "هي مصابة وليست شهيدة" رغم اطمئناني كنت في حالة قهر وحزن شديد على استشهاد حفيداتي ووالدهن" يروي العرابيد لصحيفة "فلسطين" وهو يقف على بعد عدة أمتار من سرير ابنته حتى لا تستمع. مع حلول الصباح، تفقد العرابيد مكان المجزرة ليجد فرشة سرير ابنته على الأرض، والتي يعتقد أنها كانت سبب نجاتها بسقوطها عليها فيما تناثرت بقع دماء لحفيداته على الأرض التي احتضنتهن، يعلق: "هذه أقدار الله.

قدر لها النجاة وسخر لها تلك الفرشة لتسقط عليها". عن مشهد الوداع، يمتلئ صوته بنبرة عتاب "صعب على أي أم أن تغيب عن هذه المراسم، لكن وضع ابنتي لا يسمح لها بالتحرك. خشيت أن أخبرها فتزداد حالتها سوءًا، الآن أنتظر تحسن الحالة حتى أخبرها بالقصة، لأنني أخبرتها عندما فاقت من أثر المخدر "بنج" أن بناتها في بيتنا، وبات هذا شغلي الشاغل، كيف سأخبرها؟، وماذا سأقول لها؟" أسئلة صعبة تحتل أفكاره وهو يرافقها بالمشفى. وفيما يتجه بنظره نحو ابنته التي كانت نائمة، يكمل: "عندما تستيقظ تسأل عن بناتها، فأخبرها أنهم بالبيت، وهكذا حالتها، تستيقظ بعض اللحظات ثم تعود للنوم، لكن للأسف لا يوجد علاج كافٍ فالمكان الموجودة فيه هنا على سرير وسط ساحة كبيرة تفصل بين الأسرّة ستائر قماشية، لكن هذه هي إمكانياتنا وقدراتنا". الاستشهاد والميلاد كانت العائلة تستعد للاحتفاء بذكرى ميلاد "ميرا" الموافق 18 مارس/ أذار الجاري، ليدون التاريخ ذكرى الميلاد والاستشهاد معًا، وتستبدل لحظة الفرح بالحزن الذي سيسكن قلب والدتها التي لن تنسى هذا التاريخ الدموي، ففيه خسرت أغلى ما تملك. عندما استحضر تفاصيل استعدادات ابنته لهذا اليوم، داهمته الدموع قائلا: "دعتني على ميلاد ابنتها، وأخبرتها أنني سأحضر وألبي الدعوة، ولم أتخيل أو أتوقع أنني سأكفن الطفلة وأنقلها بنفسي إلى المقبرة وأدفن جثمانها الطاهر، فكانت لحظات صعبة وقاسية ومؤلمة لا يمكن تخيلها أو وصفها وكأنني أعيش كابوسًا لا يفارقني". كانت العائلة الصغيرة مترابطة يغلف الحب حياتها تعيش في مودة وسكينة، وفي أجواء رمضانية وتنتظر حلول العيد، على أمل أن تتوقف الحرب وينتهي شلال الدم، "تعلقت ابنتي ببناتها بدرجة شديدة، إذ كرست حياتها لتعليمهن وتربيتهن تربية صالحة، ووالدهن معروف بحسن سيرته وأخلاقه الرفيعة وكان نعم الزوج والأب، وكانت حياتهم جميلة" يختبئ الوجع بين نبرات صوته وملامحه. قبل المجزرة بأيام زار "أبو محمد" بيت ابنته، التي دعته على مائدة إفطار، يستعيد ذات النبرة الساخرة التي أخبر بها ابنته، لكن بمرارة أشد: "قلت لها إن تحسنت الظروف وفتحت المعابر فأنني سألبي الدعوة، أما الآن فبالكاد تلبي احتياجاتها" .


فلسطين أون لاين