أخبار اليوم - في خطوة غير مسبوقة منذ 33 عاما، قررت السلطات الجزائرية استيراد ما يصل إلى مليون رأس من الماشية، تحسبا لعيد الأضحى المبارك؛ في ظل تراجع أعداد القطعان المحلية جراء موجة جفاف مستمرة منذ سنوات.
يأتي هذا القرار في سياق مساعي الحكومة لضمان وفرة الأضاحي بأسعار معقولة، بعد أن ارتفعت لمستويات قياسية خلال السنوات الماضية، في وقت يواجه فيه البلد تحديات مناخية أثرت بشكل كبير على الثروة الحيوانية.
ووفق بيانات رسمية، يفوق عدد رؤوس الماشية التي يتم نحرها سنويا بمناسبة عيد الأضحى في الجزائر 4 ملايين، أغلبها من الغنم ثم البقر والماعز بدرجة أقل، إضافة لأعداد محدودة من الجمال في الولايات الجنوبية.
وكانت آخر مرة استوردت فيها الجزائر أضاحي العيد من الخارج عام 1992، وحينها جلبت آلاف الرؤوس من أستراليا، لكنها لم تُخصص لعيد الأضحى، لأنها كانت مقطوعة الذيل ولا تجوز للنحر وفق المذهب المالكي المعتمد رسميا في الجزائر.
وبعد رفضها شعبيا آنذاك جرى توجيه رؤوس الماشية المستوردة إلى المسالخ واستُهلكت لحما عاديا.
ويحل عيد الأضحى لعام 2025 (1446 هجرية) يوم 6 يونيو/ حزيران المقبل وفق الحسابات الفلكية.
وجاء الإعلان عن قرار استيراد ماشية خلال اجتماع لمجلس الوزراء في 9 مارس/ آذار الجاري، بحضور الرئيس عبد المجيد تبون.
وقالت الرئاسة في بيان حينها، إن تبون “أمر وزير الفلاحة بإعداد دفتر شروط لإطلاق استشارة دولية (جولة عطاءات) في أقرب الآجال مع دول لها قدرة التموين لاستيراد إلى غاية مليون رأس من الماشية تحسبا لعيد الأضحى”.
كما وجّه تبون بأن “يتضمن دفتر الشروط (الخاص بالاستيراد) سقفا للأسعار، على أن تتكفل الدولة بالاستيراد عن طريق مؤسساتها وهيئاتها المتخصصة”.
وأفادت الرئاسة بأنه “سيتم العمل مع تعاونيات عمومية (جمعيات مهنية بقطاع الفلاحة) متخصصة عبر الولايات لبيع الأضاحي، بالتنسيق مع الهيئات والمؤسسات المخولة بالبيع”.
موجة جفاف
عقب وصول تبون إلى سدة الحكم، أجرت وزارة الفلاحة (الزراعة) إحصاء عاما للمواشي أظهر عدم صحة بيانات كانت تقدم خلال حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) بخصوص أعداد الماشية.
وأظهرت الإحصائيات الجديدة وجود أكثر من 18 مليون رأس من الأغنام، وليس 27 مليونا كما جرى الترويج له لسنوات، إلى جانب 6 ملايين رأس من الماعز.
وإضافة إلى إحصائيات كانت مغلوطة، تضرب البلد العربي موجة جفاف غير مسبوق منذ أزيد من 5 سنوات، مست خصوصا الولايات المعروفة برعي الأغنام.
وتلك الولايات تُعرف محليا بـ”منطقة السهوب”، وهي رقعة جغرافية واسعة تفصل الصحراء عن شمال الجزائر، وتمتد من حدود تونس شرقا وصولا إلى المغرب غربا.
وتكررت مبادرات وزارة الشؤون الدينية على مدار السنوات الماضية، لإقامة صلاة الاستسقاء في عموم مساجد البلاد، طلبا للغيث جراء الجفاف.
وأدى الجفاف إلى ارتفاع كبير في أسعار اللحوم الحمراء (الغنم والبقر)، ما دفع السلطات إلى عمليات استيراد متكررة من أوروبا وأمريكا اللاتينية والهند.
وفاق سعر الكيلوغرام من لحم الغنم 3000 دينار (أكثر من 22 دولار)، بينما وصل سعر لحوم الأبقار إلى 2800 دينار (21 دولار).
وخلال عيد الأضحى الماضي، ارتفعت أسعار الماشية بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى عزوف كبير من المواطنين عن ذبح الأضاحي.
وبلغ السعر الأدنى للكباش خلال عيد الأضحى لسنة 2024 نحو 70 ألف دينار (530 دولار)، بينما وصلت أسعار بعض السلالات المحلية المعروفة بجودتها وكبر حجمها إلى 500 ألف دينار (3787 دولار).
وفي ظل الجفاف ونقص المراعي وارتفاع أسعار الخراف الصغيرة، عزفت أعداد كبيرة من المزارعين الصغار عن تربية كباش العيد خلال السنوات الماضية، حسب اتحاد الفلاحين.
ذبح الإناث
والملاحظ في الجزائر أنه على مدار السنوات العشرين الماضية، انتشرت عمليات ذبح إناث الضأن والبقر التي لم تلد بعد، بمناسبة عيد الأضحى المبارك في مختلف ولايات البلاد، ما أثر سلبا على التكاثر وأدى إلى تراجع أعداد القطعان.
ويُقدم كثير من الجزائريين على ذبح إناث الأغنام المسماة في الجزائر “الرخلة”، بفضل أسعارها التي تكون عادة في متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة.
أما إناث الأبقار، المعروفة محليا بـ”الريخة”، فجرت العادة على مدار العقدين الماضيين على الاشتراك في ذبحها بين شخصين أو أكثر وفي الغالب بين 4 أشخاص وتقاسم تكلفتها.
ودعت وزارة الفلاحة في أكثر من مرة إلى اعتماد قانون يجرم ذبح إناث المواشي، مع فرض رقابة مشددة على المسالخ لمنع إجراء هذه العمليات.
قرار شجاع
ووصف الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين عبد اللطيف ديلمي قرار استيراد ماشية بـ”الشجاع”.
وقال ديلمي إن “قطعان الماشية في الجزائر في تناقص منذ 10 سنوات بسبب الجفاف وغلاء الأعلاف ونقص الأدوية واللقاحات”.
واعتبر أن “القرار بكل صراحة جاء في وقته بالنظر للتراجع الكبير في أعداد قطعان الماشية عاما بعد عام”.
وحسب ديلمي فإن هذا الإجراء سيمّكن شريحة واسعة من الجزائريين من إحياء سنة الأضحية، وسيحمي القطعان المحلية بعدم نحر أعداد كبيرة منها خلال عيد الأضحى لهذه السنة، ما يتيح تكاثرها.
وشدد على ضرورة تفعيل قانون لتجريم ذبح أنثى الغنم والبقر، باعتباره جريمة تضر بالثروة الحيوانية، خصوصا في مواسم الجفاف التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
ودعا ديلمي سلطات بلاده إلى تكوين جيل جديد من مربي الماشية، لأن الجيل الحالي قد كبر سنه، على حد تعبيره.
وأردف: “يجب أن نُكوّن (ندرب) جيلا جديدا من المربين، ونفتح أمامهم مجال القروض والتمويلات والحصول على العقار الفلاحي لإقامة المزارع لتجديد الثروة الحيوانية الوطنية”.
إجراء ضروري
أما رئيس الفيدرالية الجزائرية للمَوّالين (مربو الماشية/ أهلية) جيلالي عزاوي فيرى أن قرار الاستيراد جاء لأسباب موضوعية مدروسة أملتها ظروف الجفاف المستمر منذ نحو 6 سنوات.
وقال عزاوي إن الرئيس تبون وقف على تناقص أعداد الماشية، وبالتالي فإن حماية الثروة الجزائرية تمر عبر عملية استيراد تحسبا لعيد الأضحى.
وأضاف أن الجزائريين معروفون بإقبالهم الكبير على إحياء هذه الشعيرة الدينية، وبالتالي فإن استيراد ما يصل إلى مليون رأس ماشية، في ظل تناقص القطعان المحلية، سيكون بمثابة حماية لرؤوس الماشية الجزائرية.
واستطرد: “نحن كفيدرالية باركنا هذا القرار، ونرى أن فيه فائدة للجميع سواء المواطن أو الموّال (المربي)”.
واعتبر أن “القرار كان حتميا بالنظر لجفاف ما زال مستمرا منذ نحو 6 أو سبع سنوات، ما أثر على أعداد القطعان التي تناقصت كثيرا”.
مفعول مباشر
وتوقع منسق المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك (أهلية) فادي تميم أن يؤثر قرار الاستيراد مباشرة على أسعار الأضاحي المحلية التي ستتراجع في قادم الأسابيع.
وقال تميم إن المنظمة دعت العام الماضي إلى استيراد أضاحي العيد من الخارج، بالنظر لارتفاع الأسعار الجنوبي وتناقص أعداد القطعان جراء الجفاف.
وأكد أن الثروة الحيوانية في الجزائر بحاجة إلى فترة من الراحة للتكاثر وزيادة أعدادها، وقرار الاستيراد جاء في هذا الاتجاه، خصوصا أن ملايين الرؤوس يتم نحرها سنويا في عيد الأضحى.
تميم شدد على أن “الإنتاج المحلي حاليا لا يتحمل ضغط الطلب، ولا بد من فترة راحة وتكاثر”.
وأضاف أن “فتح الاستيراد سيعطي نوعا من الأريحية في أسعار الأضاحي، بعد ارتفاع رهيب خلال العامين الماضيين، ويخلق منافسة لضبط الأسعار”.
وختم بوجود تضخم مبالغ فيه في أسعار الأضاحي المحلية، والاستيراد من شأنه أن يخفف الضغط ويوفر الماشية بأسعار معقولة للأسر ذات الدخل المتوسط والضعيف، كما سيساهم في تراجع أسعار المنتج المحلي.