أخبار اليوم - في حوالي الساعة الثالثة من مساء يوم الاثنين، الموافق 25 مارس 2024، بدأت طائرة كواد كابتر تَنادي على المحاصرين في الحي النمساوي غرب خان يونس، مُطالِبةً إياهم بالخروج من منازلهم.
كان مسعود أبو سعيد (36 عامًا) وعائلته، إلى جانب عائلات إخوته، لا يزالون في منازلهم. همّوا جميعًا بالخروج جنوبًا نحو المستشفى الأردني الميداني، ومن ثم التوجّه غربًا للوصول إلى منطقة المواصي، إلا أن رحلتهم لم تكتمل.
يروي أبو سعيد تفاصيل استخدامه كدرع بشري على مدار ثمانية أيام من قِبل جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياح مدينة خان يونس: "سرنا مسافة حوالي 700 متر، وخلال ذلك، لحقت بنا طائرة الكواد كابتر وأمرتنا بالعودة إلى مكان تواجد الجيش عند مستشفى مجمع ناصر الطبي، وإلا سيتم إطلاق النار علينا".
ويتابع: "عدنا إلى حيث يتمركز الجنود، عند منزل جارنا خالد صيام، حيث قاموا بفصل النساء والأطفال عن الرجال، ثم أمرونا أمام النساء بخلع ملابسنا، باستثناء السروال الداخلي، وأجبَروا النساء على خلع حجابهن بدعوى التأكد من أنهن نساء. بعدها، طُلب من النساء والأطفال التوجه غربًا نحو المواصي".
ويضيف: "بقينا نحن الرجال، وكان عددنا حوالي 50 شخصًا، وُضعنا في ممرّ ضيق بين منزلين. بعد ساعة ونصف، قام الجنود بتصويرنا وأخذ بياناتنا الشخصية، ثم أدخلونا إلى غرفة في الطابق الأرضي".
وبعد ساعتين، أخرجوهم من المنزل، وأمروهم بارتداء ملابسهم قبل أن يقيّدوا أيديهم إلى الخلف بقيود بلاستيكية ويُعصبوا أعينهم بقطع قماش برتقالية اللون، ثم اقتادوهم عبر المنازل إلى نادي خدمات خان يونس، حيث احتجزوهم في صالة النادي الصغيرة. هناك، فكّوا قيودهم وأجبروهم مجددًا على خلع ملابسهم، عدا السروال الداخلي، وأجلسوهم على الأرض التي كانت مغطاة بالزجاج، وبقوا على هذا الحال حتى أذان المغرب، وهم صائمون، دون طعام للإفطار، بل بالكاد حصلوا على شربة ماء لكل شخص، وفق رواية أبو سعيد.
في حوالي الساعة الثامنة مساءً، كتب الجنود أرقامًا على أيدي وصدور ورؤوس المعتقلين، ثم أجبروهم على ارتداء ملابسهم من جديد، وأعادوا تقييد أيديهم وعصب أعينهم. وبعد ساعة، فكّوا قيودهم وانتقوا أكثر من 30 شخصًا منهم.
خداع الاحتلال
يتحدث أبو سعيد عن كيفية خداعهم من قِبل جنود الاحتلال: "صفّونا في صفٍّ واحد وقالوا لنا إنهم سيفرجون عنا، وفي تلك اللحظات جاء جندي برفقة آخر ملثم، واختار حوالي 12 شخصًا، كنتُ أنا وأخي محمد وجارنا هشام الرملاوي من بينهم".
وفي حوالي الساعة الحادية عشرة ليلًا، يصف أبو سعيد المشهد الذي لا يزال محفورًا في ذاكرته: "أخذني أحد الجنود إلى الحي الذي أسكن فيه، إلى منزل جبر صيام، وأدخلوني إلى صالة الضيافة في الطابق الثاني، حيث كان هناك جنود يراقبون المنطقة عبر شاشات متصلة بكاميرات منصوبة على الشارع وعلى جدران المنزل".
ويردف: "بعد ذلك، جاءني جندي وقال لي: ’أنا الكابتن كالي، سأكون مسؤولًا عنك، لا تخف، ستدخل المنازل لتأمينها لنا قبل أن ندخلها‘".
في تلك اللحظة، دبّ الرعب في قلب أبو سعيد: "قلت له: هذا أمر خطير، لدي أطفال وأريد العودة إليهم. فقال لي: الأمور ستكون سهلة، وبمجرد أن تنتهي المهمة سنفرج عنك".
درع بشري لخدمة الاحتلال
مع صبيحة اليوم التالي، بدأ جنود الاحتلال مهمة استخدام أبو سعيد كدرع بشري. يقول: "أيقظني الكابتن كالي، وأمرني بارتداء سترة خاصة بالدفاع المدني، كانت تخصّ ابن صاحب المنزل، وقال لي إن ذلك سيميزني عن الطائرات والقناصة. كما أعطاني هاتفًا من نوع سامسونج للتصوير، ومطرقة كبيرة لفتح الأبواب المغلقة، وأحيانًا مقصًّا لقطع السلاسل والأقفال".
ثم يضيف: "خرجت مع قوات الاحتلال، حيث وضعوا متفجرات على جدار منزل جارنا أبو مصطفى. بعد التفجير، دخلت المنزل، فوجدتُ فيه امرأة مسنّة من العائلة وابنتها وشقيقها وزوجته وابنهما، فأخرجتهم وأوصلتهم إلى الجيش، الذي أمر الرجل وابنه بخلع ملابسهما واعتقلهما، بينما أُجبرت النساء على خلع حجابهن ثم أُعيدوا إلى المنزل".
واستمر إجبار أبو سعيد على دخول المنازل وتصويرها، حيث كان الجنود يشاهدون الفيديو قبل اقتحامها، ثم يجلسونه عند مدخل المنزل تحت حراسة جنديين، قبل أن يطلقوا النار بكثافة داخله، ويدمروا الأثاث والأجهزة الكهربائية.
"استمرّ عملي كدرع بشري لخدمة الاحتلال في الحي الذي أسكن فيه لمدة خمسة أيام، وكان الكابتن كالي يقول لي: ’إذا أعجبك أي شيء في المنازل من أجهزة أو مال، خذه لك‘"، يقول أبو سعيد.
إجبار على الحفر والعثور على جثة
في الليلة السابعة، نُقل أبو سعيد إلى منطقة البطن السمين جنوب خان يونس، حيث كُلف بمهمة أكثر رعبًا.
يقول: "أمروني بالحفر بجوار سيارة فيات برتقالية اللون، وكلما حفرت، كنت أشعر برائحة الموت. استمررت بالحفر حتى عثرت على كيس أسود، وعندما شددته، اكتشفت أنها جثة".
حينها، رفض أبو سعيد الاستمرار: "عدت إليهم وقلت لهم: كيف تقولون لي إنه نفق وهو جثة؟ فحاولوا إجباري على إحضارها، لكني قلت لهم: حتى لو قتلتموني، لن أفعل. في تلك اللحظة، شعرتُ بالغثيان واستفرغتُ، فأخذوني داخل دبابة، بينما هم تكفّلوا بإحضار الجثة".
الإفراج أخيرًا
في مساء السابع من أبريل 2024، وبعد ثمانية أيام من الاحتجاز، أفرج الاحتلال عن أبو سعيد وأخيه محمد وجارهما هشام الرملاوي.
"نقلونا إلى مفترق شارع الترنس، وأمرونا بالدخول إلى الصندوق الخلفي لجيب مكشوف، ثم أنزلونا أمام مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني، وأمرونا بعدم المغادرة قبل الساعة السابعة صباحًا، وإلا سنُقتل".
فور دخولهم المستشفى، بدأ القصف على الطوابق العلوية ومحيطه، فاحتموا داخل إحدى الغرف تحت الطاولات حتى الصباح. ومع استمرار القصف، غادروا المستشفى متجهين إلى المواصي، حيث تقطن عائلاتهم.