المهندس سمير الحباشنة
أمين عام مجموعة السلام العربي
-1-
إنَّ لنا في تجربة مصر خيرُ مثالٍ…
إبان حقبة الرئيس محمد مرسي رحمه الله، دُعِيت من قبل منتدى الوسطية العالمي، ومن أمينه العام، الصديق مروان الفاعوري، لحضور ندوة فكرية وسياسية في القاهرة، وذلك بمشاركة واسعة من شخصيات تمثل مختلف التيارات السياسية في مصر، ومن ضمنها بالطبع حركة الإخوان المسلمين التي كانت في السلطة آنذاك.
كنت قد قرأت في الصحف صباح يوم الندوة خبراً يقول إن الحكومة قد عينت 28 من المحافظين الجدد، وأنهم جميعاً من فريق سيادة رئيس الجمهورية، الدكتور محمد مرسي. سألت أحد قادة الإخوان المسلمين المشاركين في الندوة عن هذا الأمر، وقلت له من المناسب أن يكون هناك إشراك لشخصيات أخرى في مواقع السلطة المختلفة من التيارات وما أكثرها في مصر.
فأجابني بشكل قاطع وبنبرة تبدو وكأنها غير قابلة للنقاش، قال: "إننا، أيها الضيف، نأتي لمواقع المسؤولية بمن نثق بهم!"
فأجبته: "مصر يا صديقي دولة كبيرة، وذات تنوع متعدد الأوجه والأشكال، ومفهوم الثقة لا أظن أنه محصور بتيار دون غيره".
خلال تلك الندوة قال المفكر سعد الدين إبراهيم، وهو من دعاة الدولة المدنية: "إنه حين يتحدث عن الدولة المدنية، فإنما يتكئ أساساً إلى صحيفة المدينة التي وضعها الرسول عليه السلام، باعتبارها المرتكز الرئيسي لقيام الدولة العربية الإسلامية".
فأجاب المتحدث الذي يشاركه في الندوة باستعلاء وعدم اهتمام، وعلى شفتيه ابتسامة المتفوق، قائلاً: "شكراً لك يا دكتور، هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا!"
وكأن الإسلام والرسول -عليه السلام- مِلكٌ لهذا التيار دون سواه.
أسوق هذين المثلين حتى أقول إن من عوامل عدم استمرار الرئيس مرسي وحركة الإخوان المسلمين في قيادة مصر كان له أسباب موضوعية كثيرة، داخلية وخارجية، لكنني أعتقد أن التفرد وعدم مشاركة الآخر في السلطة واقتصارها على تنظيم دون غيره هو سبب يقف على رأس أسباب عدم استمرار تجربة الرئيس مرسي رحمه الله.
مصر، أيها السادة، لقمة كبيرة غير قابلة للبلع، وحتى وإن تم ابتلاعها من مطلق تيار فإنه بالتأكيد، وبغياب بقية أطراف المعادلة الوطنية، لن يستطيع هضمها، وسوف يرتد أثرها سلباً عليه.
وهذا ما تم في مصر.
-2-
وهنا أتوجه للرئيس الشرع وللإدارة الجديدة في سوريا بالقول، وبمحبة، إنَّ سوريا بلد التنوع، سواء من حيث التيارات السياسية والفكرية، أو من حيث الأعراق والمعتقدات الدينية والمذهبية والطائفية. وبالتالي، فإن من الصعب، بل ومن المحال، أن يستطيع فريق بعينه أن يتسلم أمور سوريا دونما مشاركة الآخر. فسوريا، ومنذ الاستقلال، قامت على احترام تنوع مجتمعها، وساد فيها الوئام الوطني، ونبذت الكراهية، وحولت الاختلاف إلى تنوع حتى كانت مسيرة الدولة السورية في البدايات مسيرة واعدة في التقدم والأمن.
-3-
وسوريا، ومنذ بداية القرن الماضي، لم تميز بين أبنائها، فقد قاد ثورتها الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي سلطان باشا الأطرش، الزعيم الوطني الكبير الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية، ولم يتوقف أحد عند خلفيته الطائفية، بل إن سوريا، وبعد الاستقلال قدمت الزعيم الوطني فارس خوري، المسيحي الأرثوذكسي، ليكون رئيساً للوزراء، بل ووزيراً للأوقاف الإسلامية! وهذا ما يعكس الطبيعة الحقيقية للمجتمع السوري الذي قام عبر التاريخ على الوئام واحترام الآخر ونبذ ما من شأنه أن يفتت المجتمع، أو يؤدي إلى انقسامه على أسس مذهبية أو عرقية أو طائفية.
وإنَّ سوريا بعد الاستقلال وضعت دستوراً، أعتقد أنه يصلح لسوريا اليوم. فسوريا بلد المدنية وبلد الكفاءات الفكرية، وبها شخصيات قانونية كبرى قدمت الكثير ليس إلى سوريا فحسب، بل وإلى محيطها العربي. وبالتالي، فإن وضع الدستور في سوريا لا يحتاج إلى أربع سنوات، وإنَّ كل ما نشهد من قلاقل سوف ينتهي بالتأكيد حال أن تطمئن الإدارة الجديدة، برئاسة الرئيس الشرع مكونات الشعب السوري، وذلك بالإسراع بوضع دستور يقوم على احترام المواطنة والعدالة والمساواة والتشاركية والديمقراطية، ونظام برلماني امتداداً للتجربة السورية السابقة.
أعتقد أن ذلك من شأنه - لا سيما وإن تم بسرعة - أن يعزز مفاهيم الوحدة الوطنية، ويطمئن المواطن السوري في كل المناطق، ومن كل الأعراق والمذاهب والتيارات السياسية بأن دولته له، وأنه سوف يكون عنصراً فاعلاً، لا يُعاني العزل أو التهميش.
-4-
لقد قام الرئيس الشرع بتوقيع اتفاق تاريخي مع الإخوة الكرد، وهذه خطوة كبرى، نأمل أن تكون مقدمة لخطوات أخرى من شأنها ضمان التحاق كل المناطق السورية بالدولة، والسير في ركبها، ما يؤدي إلى ضمان أمن سوريا وتحقيق الوئام الوطني، والتفرغ لمن يتربص بسوريا، سواء في الداخل، أو في الخارج، وعلى رأس المتربصين العدو الصهيوني، الذي استغل الفترة الانتقالية، فذهب إلى احتلال المزيد من الأراضي في الجنوب السوري، بل ولا يخفي أطماعه في احتلال مناطق أخرى.
-5-
وبعد، إنني أتمنى على الرئيس الشرع والإدارة الجديدة في سوريا أن تسارع الخطى نحو تعزيز المواطنة وإشاعة الديمقراطية وبناء المؤسسات التي من شأنها تمثيل الشعب السوري خير تمثيل، وإشراكه في الحياة العامة ليكون جبهة واحدة تتجاوز هذه المرحلة الانتقالية نحو الأمن والسلام والتقدم، والتخلص من تبعات آثار الحقبة الطويلة من الجور والظلم ومصادرة الحريات.
والله ومصلحة سوريا من وراء القصد.