أخبار اليوم - أكد خبراء ماليون أن السياسة النقدية أداة حاسمة يديرها البنك المركزي الأردني بعناية فائقة وتفاصيل دقيقة عبر تنظيم تدفق النقود، وتحديد أسعار الفائدة، والسيطرة على معدلات التضخم لضمان استقرار الدينار والنمو الاقتصادي.
وقالوا إن السياسة النقدية ليست مجرد آلية تقنية، بل هي ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد الكلي، وتعتمد عليها ثقة المستثمرين والأفراد في النظام المالي، ما يفرض لزاما تركيز هذه السياسة في يد البنك المركزي حصرا، وعدم الاقتراب منها بوصفها " خطا أحمر"، لا يجوز العبث بقراراتها التي أثبتت نجاعتها على مدى السنوات الماضية؛ من أجل ضمان تحقيق التوازن الاقتصادي وحماية مصالح الأفراد والشركات على المدى الطويل، لأن السياسة النقدية في نهاية المطاف، هي أداة لا تحتمل التجارب والاجتهادات وتدخلات غير المتخصصين، بل تتطلب دقة وحكمة في إدارتها.
وأضافوا إن البنك المركزي الأردني يعنى بإدارة دفة السياسة النقدية في المملكة من خلال إحداث التوازن المطلوب في السوق النقدي، وضبط إيقاع المؤسسات المصرفية، الأمر الذي أثبت حصافته الكاملة منذ عقود، من خلال اتباع سياسة متوازنة تتوافق مع الأحداث الاقتصادية العالمية، والتي يتم دراستها بأدق التفاصيل في مطبخ البنك المركزي الذي يضم خبراء وفنيين ذوي كفاءة عالية لإدارة مشهد السياسة النقدية، ويتابعون عن كثب التطورات الاقتصادية كافة، ولا يترددون في استخدام جميع أدوات السياسة النقدية لتحقيق أهدافها المنشودة.
ويشير هؤلاء الخبراء الماليون إلى أن فلسفة البنوك المركزية في الحفاظ على الاستقرار المالي وإدارة الاحتياطيات الأجنبية التي تتكون من النقد الأجنبي والودائع بالعملات الأجنبية، والذهب، وحقوق السحب الخاصة، تكمن فيما يجب الاحتفاظ به من عملات أجنبية وذهب؛ ما يعكس توازنًا دقيقًا بين تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق الأهداف الاقتصادية، باعتبار أن الذهب يظل أداة استراتيجية في ترسانة البنوك المركزية، سواء كملاذ آمن أو كجزء من استراتيجية إدارة الاحتياطيات، ومع ذلك، فإن قرارات البيع أو الشراء تتخذ بعناية فائقة مع مراعاة الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية، لضمان تحقيق المصالح الوطنية على المدى الطويل.
وبحسب احدث بيانات البنك المركزي التي يفصح عنها بشكل منتظم وبصورة تفصيلية، بما في ذلك حجم حيازات البنك من الذهب في نشرته الإحصائية الشهرية، لأغراض الشفافية والإفصاح، ارتفعت احتياطيات البنك من الذهب بقيمة 506 ملايين دينار، لتصل إلى 4.763 مليار دينار في نهاية شباط الماضي مقارنة مع نهاية عام 2024 عندما بلغت 4.257 مليار دينار، وزاد عدد أونصات الذهب لدى البنك المركزي إلى 2.318 مليون أونصة في أول شهرين من العام الحالي مقارنة مع 2.304 مليون أونصة في نهاية عام 2024.
وبلغت قيمة احتياطي العملات الأجنبية والذهب لدى البنك المركزي في نهاية شباط من العام الحالي، قرابة 21.097 مليار دولار، مقارنة مع 21.015 مليار دولار في نهاية عام 2023، ويكفي احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي، لتغطية مستوردات المملكة من السلع والخدمات مدة تصل إلى 8.2 شهرا.
وشدد الخبراء الماليون على أن يُترك الحديث عن السياسة النقدية للأشخاص الذين يمتلكون الفهم العميق في هذا المجال ممن يملكون القدرة على تفسير المعطيات واتخاذ القرارات المدروسة، لئلا يتعرّض الاقتصاد لمخاطر كبيرة وتقلبات قد يصعب تداركها لاحقاً.
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور عدلي قندح، بين أن الذهب أحد أهم الأصول التي يعتمد عليها البنك المركزي في إدارة احتياطياته النقدية، نظراً لدوره الحيوي في تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز الثقة في الدينار الأردني، فمنذ تأسيسه تبنى البنك المركزي سياسة نقدية حصيفة تستند إلى مبادئ الاستقلالية والكفاءة، ما عزز قدرته على إدارة الاحتياطيات الأجنبية بطريقة تضمن الاستقرار النقدي والاقتصادي.
وأشار إلى أن هذه السياسات أسهمت في الحفاظ على ثبات الدينار وتعزيز ثقة المستثمرين بالاقتصاد الوطني، حيث كان البنك المركزي الأردني على مدار العقود الماضية مثالًا على الاستقرار والشفافية في تنفيذ سياساته النقدية.
وأوضح أن عمليات البيع والشراء للذهب التي يقوم البنك المركزي بها تأتي لإعادة هيكلة جزء من احتياطيات البنك ضمن استراتيجيته لإدارة الأصول، أو تنفيذ عمليات مقايضة أو تصفية جزئية لبعض الأصول الذهبية لأغراض تتعلق بالسيولة أو استثمارات أخرى قصيرة الأجل، أو من اجل استحقاقات مالية أو قرارات متعلقة بإدارة السيولة، وهو أمر طبيعي ضمن آليات إدارة الاحتياطي، والتزامه بالحفاظ على مركز مالي قوي واستمرارية السياسة النقدية الحصيفة التي تضمن استقرار الاقتصاد الوطني.
ولفت قندح إلى أن البنك المركزي يعتمد في سياسته لإدارة الأصول الاحتياطية على نهج متوازن يجمع بين التنويع والاستدامة، حيث يتم تعزيز احتياطيات الذهب بشكل تدريجي دون المساس بالاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، ويمثل الذهب عنصرًا مهمًا في هذه السياسة، حيث يسهم في دعم استقرار الدينار الأردني، ويمنح البنك المركزي مرونة في التعامل مع التحديات الاقتصادية، سواء من حيث إدارة التضخم أو مواجهة أية تقلبات حادة في أسعار الصرف العالمية.
وبين أن نجاح البنك المركزي في إدارة احتياطياته يعود إلى استقلاليته العالية وثقته المستمرة في الأسواق المالية، فمنذ تأسيسه اتبع البنك سياسات نقدية قائمة على الانضباط والشفافية، ما جعله أحد أكثر البنوك المركزية استقرارًا في المنطقة، الأمر الذي مكنه عبر هذه الاستقلالية من اتخاذ قرارات نقدية تتناسب مع احتياجات الاقتصاد الأردني بعيدًا عن أية تأثيرات خارجية غير متخصصة، وأسهم في الحفاظ على استقرار الدينار الأردني وتعزيز مكانة الأردن كبيئة اقتصادية آمنة وجاذبة للاستثمار.
وقال إن البنك المركزي الأردني مستمر في تعزيز احتياطياته من الذهب كجزء من استراتيجيته طويلة الأجل لضمان الاستقرار النقدي والمالي. متوقعا أن تستمر هذه السياسة في السنوات القادمة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، ما يعكس التزام البنك المركزي بنهج قائم على الحصافة النقدية والإدارة الفعالة للاحتياطيات.
وأكد الخبير المالي الدكتور جمال المصري أن بيع أو شراء الذهب أمر طبيعي، وهي عمليات عادية للبنك المركزي وتتم كل يوم وكل ساعة، وهي عملية تتم لتحويل تركيبة الاحتياطيات بين العملات والذهب وحقوق السحب الخاصة، ويبدو أنها تمت للاستفادة من ارتفاع اسعار الذهب.
وأوضح أن هذه العملية صحيحة وموصى بها، ولا يتطلب من البنك المركزي الإعلان عن كل عملية شراء أو بيع، فهي عمليات دائمة في دائرة الاستثمارات؛ فلا يتوجب المبالغة في الأمر من قبل الرأي العام، ولا من قبل غير المتخصصين في الشأن الاقتصادي.
وأشار إلى أن عملية البيع جرت في شهر كانون الثاني من هذا العام للاستفادة من ارتفاع الأسعار، وهي تعادل 105 آلاف أونصة، إلا أن البنك قام بشراء 100 ألف اونصة في شباط، موضحا أن مثل هذه العمليات طبيعية، وتتم على مدار الساعة بهدف إدارة محفظة البنك المركزي وموجوداته من الذهب والعملات الأجنبية.
وأشار المصري إلى أن وضع وحجم الاحتياطيات ليس وضعا جامدا لا يتغير بتغير الظروف والأحوال، بل هو مرتبط ارتباطا وثيقا بالمتغيرات والتطورات الاقتصادية والمالية، ويجب أن ينظر إلى الاحتياطيات من منظور تنموي واقتصادي تؤثر فيه وتتأثر به، ومن منطق اقتصادي لا عاطفي.
رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة الأردنية الدكتور رعد التل، بين أن احتياطات الذهب في البنوك المركزية تعد جزءًا أساسيًا من أدوات السياسة النقدية التي تمنح البنوك المركزية القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، وأداة تحوط فعالة ضد التضخم وتقلبات العملات الأجنبية، ما يعزز استقرار الدينار الأردني في ظل تزايد المخاطر الجيوسياسية وتقلبات الأسواق المالية.
وأضاف أن البنك المركزي الأردني يدير موجوداته من الذهب وفقًا لاستراتيجية نقدية واضحة تهدف إلى ضمان الأمان والسيولة وتحقيق العوائد. ويتم تداول كميات محدودة من الذهب لأغراض المتاجرة عندما ترتفع أسعاره عالميًا، بينما يتم شراء المزيد عند انخفاض الأسعار، وهذه السياسة تهدف إلى الحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية، وتحقيق أرباح تساعد على تغطية نفقات السياسة النقدية، بالإضافة إلى تمويل الخزينة بنسبة 80% من الأرباح المتحققة وفقًا للقانون.
وبين التل أن البنك المركزي يلتزم بأقصى درجات الشفافية في إدارة احتياطياته، حيث ينشر تقاريره الشهرية حول قيمة وهيكل الاحتياطيات الأجنبية، مشيرا إلى أن هذه الشفافية تعزز الثقة في قرارات البنك، وتساعد على مكافحة الشائعات، ومحاولات استمالة الرأي العام بتحليلات غير واقعية تحاك من قبل غير المتخصصين في الشأن الاقتصادي.
وأوضح أن الأرقام تشير إلى نجاح البنك المركزي في إدارة موجوداته من الذهب، حيث شهدت الاحتياطيات نموًا ملحوظًا على مر السنين، ما يعزز استقرار الاقتصاد الأردني وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية بثبات.
بترا