الطِّفلة أمينة: في كلِّ صباح أستيقظ .. فلا أجد أحدًا

mainThumb
الطِّفلة أمينة: في كلِّ صباح أستيقظ... فلا أجد أحدًا

09-03-2025 08:21 PM

printIcon

أخبار اليوم - في غرفة ببيت جدتها في مخيم النصيرات، تجلس أمينة أحمد موسى الخطيب، الطفلة التي لم تتجاوز العشر سنوات بعد. بين يديها دفتر مدرسي، تحاول أن تمسك بما تبقى من حياتها، لكن كل صفحة تفتحها تذكرها بوجه غائب، أو صوت لم يعد يُسمع. أمينة، الناجية الوحيدة من عائلتها، تعيش في عالم فقدت فيه كل شيء.

حلم تحول كابوسًا

تتحدث أمينة بصوت خافت، كأنه صدى بعيد لألم لا يُحتمل. تحكي عن تلك اللحظة التي غيرت حياتها إلى الأبد، حين استهدفت غارة إسرائيلية المنزل الذي نزحت إليه عائلتها بحثًا عن الأمان. "كنت بفكر إني بحلم"، تقول أمينة لصحيفة "فلسطين": "ظننت أن إخوتي يمازحونني بوضع المخدات فوق رأسي. لكني حين بدأت أختنق، قلت: يا رب، إذا كان حلمًا، فليوقظني إخوتي..." لكن لم يكن هناك أحد ليوقظها.

في 7 أكتوبر 2023، مع بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، اضطرت عائلة أمينة للنزوح من منطقة المغراقة إلى النصيرات. "ماما قالت لنا: صلّوا المغرب، ثم خذوا الجوال وشاهدوا شيئًا عليه"، تذكر أمينة آخر لحظاتها مع والدتها في 5 يوليو 2024. "صلينا المغرب، ثم تجمعنا على وسادة واحدة: أنا وإخوتي عبيدة، ليان، وسوار. بينما كان بابا وماما وعبد الرحمن في غرفة أخرى." لم تكن تعلم أن هذه ستكون ليلتهم الأخيرة معًا.

تحت الركام

بعد لحظات، تحول المنزل إلى ركام. أمينة، العالقة تحت الأنقاض، لم تفهم ما حدث. شعرت بجسدها محاصرًا، وأنفاسها تضيق، لكنها ظلت تنتظر أن يوقظها إخوتيها. بعد ساعتين، تم إنقاذها من تحت الركام، مصابة بكسر في قدمها، لتكتشف أن عائلتها بأكملها قد استشهدت. لا والد، ولا أم، ولا إخوة يواسونها.

لكن الألم لم ينتهِ هنا. بعد أسابيع من محاولة استيعاب الفقدان، كانت تقيم عند عمتها في 13 سبتمبر 2024، عندما سقط صاروخ إسرائيلي على المنزل. هذه المرة، فقدت جدتها، عمها، وابن عمتها، بينما قُذفت هي من الطابق الثالث بفعل الانفجار. "حسيت إشي شفطني شفط، صحيت لقيت نفسي محبوسة خلف باب الزريعة (فناء خارجي للبيت)"، تقول أمينة، "قعدت أصرخ وأطلب النجدة، لكنهم اعتقدوا أني استشهدت، لكنني كنت ما زلت على قيد الحياة."

ذاكرة لن تمحى

اليوم، تعيش أمينة مع أقاربها الذين احتضنوها بحب وحنان، لكنها تشعر أن الحياة لم تعد كما كانت. تشير بيدها إلى زاوية في الغرفة التي استُهدفت بالغارة الثانية وتقول: "هنا كنت يوم القصف، وهنا كانت ستي، وهنا عمي وابن عمتي." المشهد محفور في ذاكرتها، لا يمكن أن يختفي. "بشتاق لهم كل يوم، بصحى الصبح وما بلاقيش حدا عندي"، تهمس بصوت مكسور، بينما تنساب الدموع على وجنتيها.

الذكريات التي كانت تحتفظ بها في صور وتسجيلات على الهاتف، اختفت في القصف الثاني. تظهر إحدى الصور المتبقية أمينة مع إخوتها وهم يحملون المياه خلال الحرب، بينما تظهر أخرى والدتها التي كانت "تنور الدار بوجودها"، كما تصفها أمينة.

المدرسة أيضًا لم تعد كما كانت. "مدارس قبل الحرب كانت أحلى، الآن بلا مقاعد، نجلس على الأرض على سجادات الصلاة لنحضر الدروس." رغم كل ذلك، تواصل أمينة تعليمها، تحاول أن تعيد بناء شيء مما فقدته.

شاهدة على الألم

يقترب عيد الفطر، لكنه فقد معناه بالنسبة لها. "كنت في العيد أجمع مصروفي، وكان بابا يزيدني عليه ويشتري لي عرائس وألعاب، أما الآن فلا يوجد بابا، ولا يوجد عيد."

أمينة، التي تعيش بقلب مليء بالجراح، تريد أن تكون "شاهدة على المجزرة". لديها حلم بسيط، مثل أطفال غزة الذين سلبت منهم الحرب نحو 17 ألف طفل: "نفسي ما ترجعش الحرب وننتصر ونضلنا على خير كلنا".