د. صلاح العبّادي
ما حدث في الجمهورية العربيّة السوريّة أمس الأول كان استهدافاً واضحاً من قبل إيران وحزب الله وبقايا فلول نظام بشار الأسد المخلوع؛ لاستهداف أمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها.
إيران وأعوانها تحاول عبر مجموعات من الخارجين على القانون، ممن استفردوا بخيرات سوريا خلال سنوات ماضيّة، وبإسناد من جهات خارجيّة للسعي لتقويض الدولة السوريّة، التي تسير على طريق الإصلاح لاستهداف أمن سوريا وسلمها ومؤسساتها الأمنيّة، والدفع نحو الفوضى والفتنة والصراع الداخلي.
من حق الحكومة السوريّة أنّ تتخذ الإجراءات المناسبة لحماية أمنها واستقرارها وسلامة شعبها، ولحفظ القانون والسلم الاجتماعي.
ما جرى في منطقة الساحل السوري التي تعد معقلاً للطائفة العلويّة التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد؛ إذ يشكل العلويون نحو تسعة في المئة من مجموع سكان سوريا ذات الغالبية السنية. وشاركوا خلال حكم عائلة الأسد لأكثر من خمسة عقود بدور فاعل، وتولوا دوائر صنع القرار لاسيما في المؤسسات العسكرية والأمنيّة، فكان الاعتماد عليهم في عمليات التعذيب والقتل الممنهج، لاجتثاث المناهضين لسياسات الأسد.
الاشتباكات جرت في غرب البلاد مع مجموعات مسلّحة تابعة للضابط السابق سهيل الحسن الذي كان من أبرز قادة الجيش في نظام بشار الأسد، في سياق المحاولة لتشكيل تمرد عسكري على الدولة السورية لإخراجها من هذه المناطق، لاستعادة مكتسباتهم التي كانوا يتنعمون فيها، خلال مرحلة سوداء من عمر الدولة السوريّة على حساب الشعب السوري، مستغلين في ذلك تحركات الجيش الإسرائيلي في الجنوب السوري.
ما جرى ليس حدثاً أمنياً عابراً، إنما هو مخطط دُبِرَ بليل للنيل من التعايش السلمي والوحدة الوطنيّة للشعب السوري بكل أطيافه ونسيجه الاجتماعي، ومحاولة بائسة للنيل من هيبة الدولة الجديدة.
ورغم كل جهود القيادة السوريّة الجديدة الساعية لتوفير بيئة تتسم بالاستقرار ويسودها التسامح والتعايش السلمي بين مكونات الشعب السوري؛ إلا أنّ شبيحة وفلول النظام المجرم البائد يصرّون على استمرار الغدر والخيانة لوطنهم، وسفك الدماء بغير حق.
فهم أثبتوا على مدى ما يزيد على خمسين عاماً وحشيتهم وعشقهم لسفك الدماء، وتغليب مصالحهم الشخصيّة الضيقة على مصلحة وطنهم.
وما حدث في طرطوس واللاذقية وجبلة يمثل تطورات في غاية الخطورة؛ إذ سادت ليلة الخميس على الجمعة فوضى أمنيّة واشتباكات في الساحل السوري وسقوط عشرات القتلى وحرق للمنازل وهجمات على مواقع أمنيّة، وعسكريّة؛ بتدخلات خارجيّة هدفها عدم استقرار سوريا، عبّر إذكاء روح الفرقة والفتنة الطائفيّة، وهي مؤامرة دبرت من قبلهم في غفلة ليلٍ للنيل من استقرار البلد، الذي عانى على مدى ما يزيد عن خمسة عقود من الزمن من الاضطهاد والظلم واستبداد العلويين، فكان رد قوات الأمن السوري تجاه هذه التشكيلات المسلّحة محق لمصلحة أمن سوريا وشعبها؛ لأن الفوضى هي مصلحة إسرائيل التي ترى بأنّ وجود النظام المخلوع كان لصالح استراتيجيّتها؛ لاضعاف سوريا والنيل من نسيجها وإنهاك مكوناته كافة وهو يخدم مشروع اسرائيل في المنطقة، التي تخشى قوة هذا البلد المنهك ووحدته من جديد.
من حق الشعب السوري والنظام الجديد بكل مكوناته السياسيّة أن يدافع عن ثورتهم التي أطاحت بنظام الأسد والملىٍشيات الإيرانيّة خلال نحو ثلاثة عشر عاماً من الاستبداد الذي لحق بسوريا، لحساب زمرة عاثت في هذا البلد فساداً وخراباً. فكانت هبّة الشعب السوري في ساحات محافظاته، وسهره للحفاظ على مشروعهم الإصلاحي؛ وللتصدي لميليشيات التهريب والمخدرات التي تمثلت غايتها باستهداف أمن المنطقة برمتها.
يبدو جلياً بأنّ إيران لم تتراجع عن محاولاتها خلال سنوات مضت لتوسيع نفوذها في المنطقة العربيّة، بل عمدت إلى التدخل في شؤون الدول وزرع جماعات موالية لها لزعزعة الاستقرار وتنفيذ أجندتها الطائفيّة إن كان في العراق وسوريا ولبنان واليمن، عبر بث الفوضى وتمويل وتسليح الميليشيات، للنيل من وحدة الدول مُتستّرة بشعارات مختلفة للهيمنة على المنطقة.
الوقوف إلى جانب الحكومة السوريّة الجديدة، ودعمها لمجابهة المليشيات المسلّحة هو مصلحة عربيّة مشتركة، للحفاظ على أمن المنطقة وإعادة الاستقرار لسوريا، بعيداً عن حالة الإقصاء التي غذّت الجماعات الإرهابيّة التي عانت المنطقة منها.
كما أنّ ما جرى كانت أوهام لجماعة خارجة عن القانون ظنوا أنهم قادرون على إسقاط إرادة الشعب السوري، فأطلقوا عمليتهم الغادرة، لضرب الوجه الجديد لسوريا؛ اعتماداً على قيادات عسكريّة وأمنيّة سابقة حَبكت الجرائم بتوجيهات قيادات هاربة بالخارج، من خلال العمليّة الغادرة التي راح ضحيتها أبرياء من رجال الجيش والأمن الذين سعوا إلى ضبط زمام الأمور لمصلحة سوريا الجديدة.
سوريا اليوم تتطالب المزيد من الحزم في مواجهة الخارجين على القانون، واتخاذ الإجراءات الرادعة لهم، ومحاسبة المتهمين بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري خلال سنوات الصراع وفقاّ للقانون.
فمنذ سيطرة السلطات الجديدة على الحكم في دمشق، في الثامن من كانون الأول تُسجّل اشتباكات وحوادث إطلاق نار في عدد من المناطق، يقف خلفها مسؤولون أمنيّون مسلحين مُوالين للحكم السابق، في حين تُنفذ السلطات حملات أمنيّة تستهدف فلول النظام السابق.
كما أنّ المطلوب اليوم هو ضرورة تكاتف كل الجهود؛ لدعم سوريا في عملية إعادة بناء الدولة السورية الجديدة على الأسس التي تحمي وحدتها وأمنها واستقرارها وسيادتها، وتحفظ حقوق كل أبناء الشعب السوري الشقيق.