أخبار اليوم- لطالما تعلق الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما من ذوي المحكوميات العالية، بالأمل بأن تتمكن المقاومة من أسر ولو جندي إسرائيلي واحد يمكنها من تحريرهم. لكن ما أعدته المقاومة لتحرير الأسرى فاق أقصى أحلامهم، وفاجأهم كما فاجأ العالم كله، كما يقول المحرَّر عمر الشريف.
ويضيف الشريف لصحيفة "فلسطين": "لقد قابلنا بالاستغراب حلم أحد زملائنا الأسرى ودعوته لنا لتخيل الحال لو تمكنت المقاومة من أسر سبعة جنود إسرائيليين دفعة واحدة، وأنه حينها سيتم تبييض السجون. لكن ما حدث في السابع من أكتوبر فاق كل ما يمكن أن يتمناه أي أسير. ومن تلك اللحظة أدركنا أن الحرية باتت قريبة، وأن هذه إرهاصات معركة التحرير بإذن الله".
فالسجن تجربة قاسية يحاول الأسرى الفلسطينيون التأقلم معها وقضاء الوقت فيما ينفعهم، وذلك ما فعله المحرر الشريف الذي اتجه للتعليم وتثقيف نفسه. ففي بداية سني اعتقاله الطويلة، أقبل على دراسة العقيدة والفقه والتجويد وتاريخ القضية الفلسطينية والإخوان المسلمين وحركة "حماس"، وقراءة مؤلفات الشيخ الراحل الدكتور يوسف القرضاوي.
وكان للرياضة نصيب كبير من وقته، خاصة كرة السلة، بجانب عمله في خدمة الأسرى في عدة لجان كالإدارية والثقافية والقانونية. وفي الثلث الأخير من فترة الاعتقال، عمل الشريف كممثل للأسرى في الهيئات التنظيمية الداخلية على مستوى القسم والسجون.
وتمثلت المواقف الصعبة بالنسبة للشريف داخل المعتقل بحدوث اختلافات بين الأسرى والمواجهات بينهم وبين الإدارة، خاصة في الإضرابات عن الطعام التي يخوضها الأسرى لانتزاع حقوقهم. "أما على الصعيد الشخصي، فكانت وفاة والدي وأنا معتقل هي الحدث الأصعب على نفسي".
ورغم كل الصعوبات والحكم الطويل، إلا أن الأسرى كانوا متعلقين بالأمل بأن يتم الإفراج عنهم يومًا ما. وقد أدركوا صبيحة السابع من أكتوبر أن الفرج بات قريبًا، لكن إدارة السجون عزلتهم بعدها عن العالم، فلم يعلموا شيئًا مما يدور حولهم سوى ما يتسرب لهم من خلال المحامين عن وجود أحاديث عن صفقة تبادل.
وتحول الأمر إلى حقيقة حينما دخل السجانون لإجراء العد الصباحي بعد صلاة الفجر على غير العادة، وقرأوا أسماء عدد من الأسرى من ذوي المحكوميات العالية، من بينهم الشريف، طالبين منهم تجهيز أغراضهم للنقل. حينها قدروا بأنه سيُفرج عنهم، رغم محاولات السجانين التنغيص عليهم وعدم إخبارهم بحقيقة ما يجري.
يقول الشريف: "نقلونا إلى سجن النقب، وهناك طلبوا منا الحلاقة. فأحد الأسرى رفض أن يحلق، فقال الضابط: 'اللي ما بيحلق مش حيروح'. فاعتبرناه أجمل تهديد سمعناه في حياتنا، وأول تلميح رسمي بأننا مفرج عنا. ثم جاء وفد الصليب الأحمر وأخبرنا بأنه سيُفرج عننا. بعد ذلك، أجريت لنا مقابلات مع ضابط من الشاباك هددنا فيها بأنه من سيعود للمقاومة سينتقم الاحتلال منه".
وكانت لحظة الحرية الأولى بالنسبة للشريف عند صعوده الباص المصري، حيث انطلقت تكبيرات العيد من أفواه الأسرى الذين لم تسع الدنيا فرحتهم، وكانوا في حالة من الصدمة النفسية الشديدة لانتقالهم إلى الحرية بعد سنين طويلة جدًا من الأسر.
ويمضي بالقول: "الكثيرون التزموا الصمت وهم يتأملون في السماء والدنيا من حولهم ووجوه البشر. وكلنا كنا نفكر: ماذا حدث بالخارج؟ وماذا حدث في الحرب على غزة؟ من بقي من ذوينا على قيد الحياة؟ من سنلتقي منهم؟".
ويرجع الشريف الفضل في حريته لأهل غزة الذين ضحوا بالغالي والنفيس، وكان صبرهم على ما أصابهم معجزة من معجزات العصر، وللإخوة في محور المقاومة الذين هم بمثابة الأمة الإسلامية الحقيقية.
والشريف أسير مقدسي محرر، اعتقل عام 2003، وحُكم عليه بالسجن المؤبد 18 مرة، بتهمة الانتماء لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والمشاركة في عملية "الحافلة رقم 14"، التي أسفرت عن مقتل 18 مستوطنًا وجرح 105 آخرين.