المحرر "حلايقة" .. ذكرى الميلاد تجتمع مع حضوره الأول بمائدة عائلته في رمضان

mainThumb
المحرر "حلايقة".. ذكرى الميلاد تجتمع مع حضوره الأول بمائدة عائلته في رمضان

05-03-2025 11:29 AM

printIcon

أخبار اليوم - كانت مائدة الإفطار في بيت "أم القسام" حلايقة مختلفة هذا العام، فالمقعد الذي بقي فارغًا طوال عشرين سنة امتلأ أخيرًا بعودة زوجها، الأسير المحرر موسى حلايقة، الذي غاب عن كل شهر رمضان خلال تلك السنوات. كانت موائد الإفطار مغمسة بطعم الغياب ومليئة بالشوق، حتى اجتمعت ذكرى رمضان الأول بين عائلته مع ذكرى ميلاده السابع والخمسين، لتلتئم العائلة التي فرقها السجن، وتكون المائدة لهذا العام ممزوجة بطعم الحرية ومليئة بالفرح.

وصف حلايقة حريته بأنها "ميلاد جديد"، خرج من قبور الأحياء ليعانق هواء الخليل ويمشي على تراب فلسطين، يجتمع مع أولاده ليستمع إليهم ويروي لهم تجربة الأسر بمرارتها وقسوتها، ويتطلع إلى المستقبل بحضورهم. خرج من الأسر ليجد طفلتيه التوأم، اللتين تركهما بعمر سنة وثمانية أشهر، قد كبرتا، واقفتين في انتظاره مع باقي أشقائهن بعد عشرين عامًا من الأسر والغياب، وانتظار الحرية بشوق لعناق تأخر كثيرًا. وصفته ابنته "عائشة" بعينين باكيتين بأنه "كان 20 سنة من الاحتضار، وليس الانتظار".

منغصات الاحتلال لم تخلُ اللحظات الأخيرة قبل حرية الأسير موسى حلايقة (57 عامًا)، الذي يُكنى "أبو القسام"، من منغصات مارسها الاحتلال على العائلة طوال عشرين سنة. فبعدما تجهز أبناؤه التسعة (ست بنات وثلاثة أولاد) لاستقبال والدهم، قاطعين مسافة طويلة من محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية إلى محافظة رام الله، التي وصلوها عند السابعة والنصف صباحًا، عاشوا ساعات من الانتظار العصيب، تضاهي فترات الانتظار السابقة، بين الخوف والترقب والأنباء المتضاربة عن إلغاء الإفراج. "كنت بانتظاره مع أولادي وبناتي وأزواج ثلاث من بناتي، مقابل السجن.

قالوا لنا إنه سيفرج عنهم الساعة الثامنة، ثم أجلوا الأمر حتى الثانية عشرة ظهرًا، وبعد ساعات من انتظار الفرحة، أُخبرنا بإلغاء الإفراج، فنزل الخبر كالصاعقة على أولادي والعائلة، لأننا لم ننم ليلة الإفراج المقرر من شدة اللهفة والشوق لرؤيته وعناقه"، تروي أم "القسام" لصحيفة "فلسطين"، بينما كانت ترافق زوجها لنقله إلى المشفى. لم يكن الشعور لدى الأسرى، الذين انتظروا لحظة فتح أبواب السجن ومعانقة الحرية بفارغ الصبر، وهم يصعدون إلى الحافلات تمهيدًا لنقلهم إلى النقطة الأخيرة للتبادل، أقل قسوة من شعور ذويهم، بعد إرجاء الاحتلال أمر الإفراج المقرر عن أكثر من 600 أسير فلسطيني ضمن شروط صفقة التبادل مع المقاومة. فاضطر الأسرى للنزول والعودة إلى السجن، بينما عادت عائلاتهم بقلوب مكسورة وعيون دامعة إلى منازلهم.

بألم تستذكر حلايقة تلك اللحظة: "وصلنا البيت الساعة الرابعة فجرًا، ومرت فترة انتظار أخرى صعبة بين ترقب الأخبار وتضارب التصريحات، حتى التقينا به بعد أسبوع. وكان مفاجئًا لنا أننا رأيناه يمشي، لأنهم قالوا إنه تعرض لكسر في قدمه أثناء إعادته إلى السجن". في لقاء مؤثر وعناق طويل، حضرته دموع الفرح الممزوج بمرارة الحرمان واللهفة إلى اللقاء، اجتمع الأب مع ثلاث من بناته، اللواتي انتظرنه وهن في أبهى زينتهن.

وعاد حلايقة إلى منزله بعد غياب طويل، ترك فيه أولاده أطفالًا، وحملًا ثقيلًا على كاهل زوجته، التي حملته محاولة تعويض غياب سند البيت، حتى كبر الأبناء وتعلموا في أرقى التخصصات، وزوّجت ثلاثًا من بناتها. حمل ثقيل ترحل ذاكرة حلايقة إلى لحظة أسر زوجها عام 2005، والحكم عليه بالسجن 22 سنة، فيما يتقلب دفتر الحياة أمامها، قائلة: "عندما يكون لديك تسعة أطفال، سيكون الأمر صعبًا بحضور الزوج، فكيف الحال في غيابه، ويصبح الحمل كله على عاتقي؟ لكننا تجاوزنا السنين بفضل مساندة الأهل والأقارب، وأخي الكبير، الذي كان بمثابة الأب الحامي لهم، حتى كبر الأبناء".

عندما اعتقل الاحتلال حلايقة، كان عمر ابنتيه التوأم زهراء وشيماء سنة وثمانية أشهر، وكانت الصورة هي الوسيلة التي استخدمتها زوجته لتعريف الطفلتين بوالدهما وغرس ملامحه في ذاكرتهما. تستذكر: "كنت أوقفهما أمام الصورة، وأطلب منهما إلقاء تحية الصباح عليه، ونفس الأمر في المساء، وهكذا عرفتاه، حتى بلغتا خمس سنوات، وبدأن تفهمان أنه في الأسر، وذهبتا لزيارته مع جدتهما أو عماتهما. وهذا الحال كان مع بقية الأبناء، فكان الرابط بينه وبينهم قويًا، حتى وهو في الأسر لم يغب عن تفاصيل حياتنا التي كان يشرف عليها في أدق تفاصيلها".

أما هي، فلم تحصِ ذاكرتها أكثر من عشر زيارات سمح لها الاحتلال خلالها برؤية زوجها طوال عشرين سنة من الأسر. "هذه معاناة لا توصف، كنت أزوره مرة كل سنة، وأحيانًا كانت تمر أعوام دون أن أتمكن من زيارته.

حتى أن أربع زيارات من الزيارات العشر حدثت خلال عام 2014، ورغم المشقة، كانت شيئًا كبيرًا لنا، وأملًا متجددًا بحتمية اللقاء"، تحكي عن قسوة مرحلة طُويت بألمها وقسوتها. ورغم أن حلايقة نال حريته قبل عامين من انتهاء محكوميته، إلا أن زوجته تعتبر فترة العامين طويلة وتحدث فرقًا في حياة عائلة الأسير. وتعلق: "صحيح أنها مدة قصيرة مقارنة بسنوات الانتظار، لكن كل شهر وعام يُكسر من الحكم هو حياة للأسير وأهله، ولها معانٍ كبيرة لنا".

تحرر حلايقة ليجد ابنته عائشة تدرس الطب في سنتها الخامسة، وباقي أبنائه تخصصوا في مجالات مختلفة، بين الهندسة المعمارية، والتصميم والمونتاج الرقمي، والشريعة والقانون، والكهرباء. وترجع "أم القسام" الفضل في ذلك، بعد المولى، إلى توجيهات زوجها من داخل الأسر، والذي كان – رغم الغياب القسري – حاضرًا في كل تفاصيل حياتهم. حتى في زواج ابنيه قسام ومجد، فقد شاءت الأقدار أن يجتمع الأب مع نجليه داخل سجن النقب، وعاش معهما أربعة أشهر مليئة بالذكريات.



فلسطين أون لاين