كابوس إخلاء المنازل المخالفة يلاحق أسرا بالشونة الجنوبية

mainThumb
كابوس إخلاء المنازل المخالفة يلاحق أسرا بالشونة الجنوبية

04-03-2025 12:52 PM

printIcon

أخبار اليوم - الشونة الجنوبية- كمن يجري وراء السراب، تلاحق مئات الأسر في منطقة السويمة بالبحر الميت، منذ عقود حلم العيش بطمأنينة في مساكن مهددة بالإزالة في أي وقت، كونها مقامة على أراضي خزينة، ويضطر ساكنوها للحصول على الخدمات بطرق غير مشروعة لمجابهة ظروف الحياة القاسية، لا سيما أن الفترة الماضية تكررت فيها الإنذارات المطالبة لهم بالإخلاء وإزالة البناء، ناهيك عن الغرامات والقضايا في المحاكم.

وفي كل شتاء، تتضاعف هموم تلك الأسر لافتقار المنازل للخدمات الضرورية للعيش، فلا ماء ولا كهرباء ولا شوارع، الأمر الذي يدفعهم للمخاطرة بأرواحهم للتغلب على الظروف القاسية.


ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لحالة الوفاة الناجمة عن الإصابة بالصعقة الكهربائية في المناطق غير المخدومة، إلا أن "الغد" استطاعت إحصاء 6 حالات وفاة نتيجة تعرضها لصعقات كهربائية جراء العمل على تمديدات غير مشروعة.

ووفق المواطن محمود الجعارات، فإنه اضطر للبناء على أرض الخزينة لأنه لم يعد يحتمل البقاء في منزل العائلة الذي يضم أربع عائلات وهم أهله وإخوته المتزوجون، موضحا أن عدم حصوله على وحدة سكنية في مناطق التنظيم اضطره إلى البناء في أرض الخزينة لإيجاد مكان لإيواء زوجته وأبنائه الصغار.

ويؤكد أنه تكبد ديونا طائلة لإنشاء المنزل رغم علمه بعدم وجود خدمات الماء والكهرباء، إلا أن الأمر يبقى أهون من البقاء في منزل الأسرة الكبيرة الذي لم يعد يتسع للجميع، مشيرا إلى أن الأوضاع خلال الفترة الماضية كانت صعبة للغاية إذ تكررت الإنذارات المطالبة بالإخلاء وإزالة البناء، ناهيك عن الغرامات والمحاكم.

ويلفت الجعارات إلى أن غالبية الأسر التي تعيش في المنطقة والتي يقدر عددها بأكثر من 200 أسرة، تعاني نفس الظروف القاسية التي يتسيدها الفقر، موضحا أن الخوف والقلق مما سيحصل لمنازلهم يقض مضاجعهم فلا تغمض لهم عين ولا يهنأ لهم عيش.

فقر ومحدودية دخل وديون
أما المواطن راكان العزازمة الذي تعرض للترحيل أكثر من مرة، فيقول "أسكن منطقة السويمة منذ 40 عاما وعشت وترعرت فيها منذ الصغر وتزوجت وأصبح لدي عائلة ما دفعني الأمر إلى بناء غرفتين لإيواء زوجتي وأطفالي"، مضيفًا "منذ سنوات ونحن نتعرض للتهديد والترحيل من مكان لآخر حتى وصلنا إلى المنطقة المطلة على قرية سويمة كونها بعيدة عن صلاحيات هيئة المناطق التنموية لنفاجأ قبل ثلاثة أشهر بموظفين حكوميين جاؤوا بصفة موظفي إحصاءات قاموا بحصر المنازل وأسماء ساكنيها وبعد أيام تفاجأنا بوجود ضبوط ومخالفات ودعوى قضائية بحق أصحاب المنازل بحجة أن المنازل مقامة على أراضي حراج.

وأضاف "جميع منازلنا مهددة بالإزالة رغم أننا عانينا كثيرا لبنائها لأن معظم السكان يعانون من الفقر ومحدودية الدخل وبعضهم لا يجد ما يقتات عليه ولكنهم كدوا وجهدوا واستدانوا لبناء مسكن صغير يقيهم نوائب الدهر"، لافتا إلى أن الأوضاع التي يعيشها سكان المنطقة صعبة للغاية فغياب الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء والطرق يفاقم من أوضاعهم المعيشية اليومية.


ويصف العزازمة الأوضاع خلال الشتاء الحالي قائلا "مع انخفاض درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، أجبر عدد كبير من السكان على استجرار التيار الكهربائي من الشبكات ولمسافات تصل إلى أكثر من 500 متر، وهو أمر ينطوي على مخاطر كبيرة على الإنسان والحيوان، خصوصا مع تساقط الأمطار والرياح الشديدة"، مشيرا إلى أن غالبية السكان يشترون المياه من الصهاريج ما يحملهم أعباء مادية كبيرة مقارنة بمداخيلهم.

المفارقة كما يبين العزازمة، أنهم "يعرفون المنطقة أكثر من موظفي الزراعة كونهم يعيشون فيها منذ عقود، فالأرض قاحلة ولا تصلح للزراعة ولا يوجد فيها أي أشجار أو نباتات ما دفع السكان إلى زراعة الأشجار وتخضير المنطقة، ويأتي موظف من وزارة الزراعة ويقول إنها أرض حراج".
رهن القلق الخوف
ويؤكد عدد من السكان ممن التقتهم "الغد" أن منازلهم مهددة بالإزالة في أي وقت ما يعني أنهم سيبقون رهن الخوف والقلق، متسائلين "إذا قاموا بهدم منازلنا فأين سنذهب؟ نحن مواطنون أردنيون ولا نجد مكانا لننعم فيه بالعيش مع أسرنا، كلما ذهبنا إلى مكان قاموا بطردنا، علما بأننا لم نحصل على وحدات سكنية".
ويشدد السكان على ضرورة قيام أصحاب القرار بإيجاد حل لقضيتهم، مشيرين إلى أنه "لا يوجد حلول حتى الآن وكل ما نسمعه من أصحاب القرار جملة واحدة يا بتهدم، يا بترحل".


ووفق المواطن نايف القرينات، فإن عدد سكان المنطقة يقارب 5 آلاف نسمة تفتقر لأدنى خدمات البنية التحتية التي يحتاجها أي إنسان، فلا يوجد شوارع ولا تمديدات مياه ولا كهرباء، موضحا أن أكثر من خمسة أشخاص قضوا إثر تعرضهم لصعقات كهربائية جراء استجرارهم التيار بطرق مخالفة.

ويقول "انتظرنا منذ سنين طويلة أن يتم ضم المنطقة لبلدية سويمة لنتمكن من إيصال الخدمات إلا أن جميع الوعود ذهبت أدراج الرياح"، مضيفا "ذنبنا الوحيد أننا قمنا ببناء منازلنا على أرض الخزينة على أمل أن نستقر ونعيش بطمأنينة، إلا أن الحظ العاثر ما يزال يلاحقنا من مكان لآخر".

إلى ذلك، يشير المواطن عاطف الجعارات إلى أن "الحكومة تنفق الملايين على منطقة البحر الميت لتأهيلها وتحسينها ونحن الذين لا نبعد سوى كيلومترات قليلة ليس لنا حظ أو نصيب سوى الفقر والقهر"، مبينًا أنه هرب من أزمة السكن التي لازمته بالسكن مع 20 فردا لسنوات ليجد متنفسا في منزله الجديد رغم غياب الخدمات الرئيسة.

وتطرق إلى أن "عدم وجود وحدات سكنية لأهالي سويمة دفع أبناء القرية للهرب من أزمة السكن والبناء في المناطق المجاورة وهذا أمر طبيعي لأن وجود 6 أو 5 عائلات في منزل واحد يعد كارثة بحد ذاته"، قائلا "على الحكومة النظر لمعاناة هذه الأسر والخوف الذي يتملكهم ويجب إيجاد حل جذري للمشكلة كأن يقوموا بتثبيت المنازل المقامة وتقدير ثمن الأرض على السكان لغايات تخصيصها بأسمائهم لأن أي حل آخر فسيؤدي إلى تشريد مئات الأسر من منازلها".

غياب الخدمات الضرورية
أما المواطن أبو أنس، فينوه من جهته، إلى أن "المشكلة أعظم من أن يتصورها أي إنسان، فلا يوجد أي ضمانات لإيجاد حل يضمن لهذه الأسر حياة كريمة، فمعظمها تعاني من أوضاع صعبة للغاية في ظل الديون التي تكبدتها لبناء المنازل والأقساط الشهرية وعدم وجود الخدمات اللازمة والضرورية، يضاف إلى ذلك شبح الخوف الذي يخيم عليها منذ إبلاغهم بضرورة إزالة الأبنية والرحيل".

في المقابل، يرى عضو مجلس المحافظة عن منطقة سويمة محمد الجعارات، أن "مشكلة تداخل الصلاحيات بين البلدية وسلطة وادي الأردن وهيئة المناطق التنموية أسهم بشكل كبير في إيجاد هذا الوضع على أرض الواقع، إذ إن غالبية الشباب اضطروا إلى مغادرة البلدة والبناء في المناطق المجاورة لتأمين حياة كريمة لأبنائهم وأسرهم"، موضحا أن منطقة سويمة هي الوحيدة التي لم يتم فيها توزيع وحدات سكنية للأهالي كبقية مناطق وادي الأردن الأمر الذي خلق أزمة سكن في البلدة.


وأضاف "أن مجلس الوزراء قرر العام 2015 تفويض ما مساحته 700 دونم باسم سلطة وادي الأردن بهدف تطويرها وتأمين البنية التحتية لها لتوزيعها على أهالي منطقة سويمة، الذين لم يستفيدوا سابقا من أي تخصيص أو توزيع بهدف معالجة قضية الاعتداءات الواقعة على أراضي الخزينة في منطقة البحر الميت التنموية"، مؤكدا أنه منذ ذلك الوقت لم يتم عمل أي شيء سواء تنظيم الأرض أو إيصال الخدمات لها تمهيدا لتوزيعها.

وقال الجعارات "إنه وبعد مخاطبات ومطالبات عدة تمت الموافقة بحسب عدد من المسؤولين على تخصيص 200 دونم لتقسيمها إلى وحدات سكنية وتوزيعها على أهالي المنطقة، إلا أن الأمور ما تزال تراوح مكانها الأمر الذي دفع بعدد من الشباب إلى البناء على أرض الخزينة"، مطالبا الحكومة بالعمل على إيجاد حل جذري وسريع لمشكلة أهالي سويمة فيما يخص الأراضي السكنية والسماح بإيصال الخدمات الضرورية للمواطنين.

بدوره، يؤكد متصرف لواء الشونة الجنوبية الدكتور صقر الدروع، "أن وزير الزراعة قام بزيارة المنطقة قبل أشهر واطلع على أوضاع المواطنين وأوعز بإجراء دراسة للمنطقة لإيجاد حل مناسب".
مخاطبة الجهات المعنية لإيجاد حلول
وبحسب رئيس بلدية سويمة عيسى الحكيم، فإن "جزءا من الأرض المقام عليها المنازل هي داخل حدود البلدية والجزء الآخر يعود لجهات أخرى"، موضحا أن البلدية قامت بإدخال المنطقة المحاذية للبلدة للتنظيم بهدف فتح الطرق وتعبيدها وتمكين ساكنيها من إيصال خدمات الماء والكهرباء وإنهاء معاناة السكان.

وأشار الحكيم إلى أن "الجزء الآخر من المنازل مقام على أراضي خزينة ولا نستطيع كبلدية منح الساكنين أذونات أشغال أو عدم ممانعة لغيات إيصال الخدمات كونها أراضٍ حرجية"، لافتا إلى أنه سيتم مخاطبة الجهات المعنية لإيجاد حلول جذرية لمئات المنازل المقامة على هذه الأراضي بما يكفل تأمين حياة كريمة للعائلات.

من جهته، يؤكد المدير التنفيذي لكهرباء وادي الأردن والشرقية المهندس مروان خريسات، "أن إيصال التيار الكهربائي لأي منزل يحتاج إلى موافقات تنظيمية سواء من دائرة الأراضي أو البلدية أو السلطة وهو ما ينطبق على أي منازل مقامة على أراضي الخزينة أو خارج التنظيم"، موضحا أن "الشركة لا يمكنها بأي حال إيصال التيار الكهربائي لهذه المنازل، إلا بعد الحصول على الوثائق المطلوبة كسند تسجيل وإذن إشغال أو عدم ممانعة أو ترخيص من البلدية".

وأشار إلى أن جميع المنازل المقامة في هذه المنطقة هي مقامة على أرض الخزينة، وغالبيتها تستجر التيار الكهربائي من الشبكات بصورة غير قانونية رغم المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها هذا الفعل، لافتا إلى أن كوادر المديرية تقوم بشكل مستمر بإزالة الاعتداءات للحفاظ على حياة المواطنين بالمقام الأول والمحافظة على مقدرات الشركة.


كما أكد خريسات، أن عمليات استجرار التيار الكهربائي بشكل غير مشروع يشكل خطورة كبيرة على مستخدميه لافتقار الأسلاك المستخدمة للمواصفات القياسية وعدم توفر وسائل الأمان التي تتوفر في عدادات الشركة، لافتا إلى أن استخدام الأسلاك غالبا ما يؤدي إلى زيادة الأحمال واندلاع الحرائق سواء الحرائق المنزلية أو حرائق المزارع والخيام والتي تسببت سابقا بعشرات حالات الوفاة.

الغد