أخبار اليوم - يرى السوريون أن كل شيء تحرر في بلادهم بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بما في ذلك خطبة الجمعة، التي أصبحت في حلٍّ من وزارة أوقاف الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ويشعر خطباء المنابر والمصلون بارتياح كبير إثر تحررهم من القبضة الأمنية لنظام الأسد، والتي بثت الرعب في قلوبهم خلال عقود عديدة.
فبعد سقوط نظام الأسد، عادت المساجد لتمتلئ من جديد، بينما أصبح الخطباء يتحدثون براحة مطلقة، ويعطون المنابر حقها الذي سلبه نظام الأسد.
“الأناضول” واكبت صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة درعا جنوبي البلاد، انطلقت منهما عدة مظاهرات حاشدة في الأسابيع الأولى من عمر الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، وهما المسجد العمري في حي درعا البلد، سجد موسى بن نصير في حي القصور.
خطبة الجمعة بدت مختلفة في فحواها عن فترة نظام الأسد، وبدا الخطيب مطمئنًا في كلامه
وعمد نظام الأسد، لا سيّما خلال سنوات الثورة السورية، إلى اعتقال أئمة وخطباء منابر ومصلين، وأطلق الرصاص الحي على المظاهرات السلمية بعد صلوات الجمعة إبان تلك الفترة، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
تحرر خطب الجمعة
في مسجد موسى بن نصير، كان هناك إقبال كبير على صلاة الجمعة، لا سيّما من فئة الشباب، لدرجة أن خطيب المنبر، خالد زين العابدين، طلب من المصلين إفساح المجال للأشخاص الذين لم يسعهم المسجد جراء حجم الإقبال.
وتحدث زين العابدين في الخطبة عن “نعمة الله بالنصر على النظام الفاسد، والتخلص من زمن القمع والاستبداد”، مشيرًا إلى أن ذلك لم يكن ليحدث لولا “دماء الشهداء التي روت تراب سوريا”.
ودعا إلى “صون هذه النعمة، والحفاظ على الدولة، وتقديم الأشخاص المناسبين للمناصب، حفاظًا على المؤسسات”.
كما بارك للسوريين حلول أول شهر رمضان بعد سقوط نظام الأسد.
خطبة الجمعة بدت مختلفة في فحواها عن فترة نظام الأسد، وبدا الخطيب مطمئنًا في كلامه، وقال إنه سيكون هناك مواعظ ودروس دينية في المسجد بعد صلوات الفجر والعصر والتراويح خلال شهر رمضان.
وفي حديث لـ “الأناضول”، قال زين العابدين: “من إنجازات الثورة السورية أن المساجد تحررت من نظام الأسد، فبعد أن كنا نخطب بقيود صارمة فرضتها وزارة الأوقاف السابقة، أصبحنا اليوم نتكلم كما يمليه علينا واجبنا الديني دون أي مضايقات”.
وأضاف، وسط مصلين أقبلوا للسلام عليه، أن “المساجد أصبحت عامرة بالمصلين، لا سيّما الشباب، بعد أن كان الخوف هو سيد الموقف جراء ملاحقة نظام الأسد للملتزمين بالصلاة، والأئمة وخطباء المنابر، حيث كان يحاسبهم على الكلمة الواحدة، واعتقل العديد منهم، وأخفاهم قسرًا ولم يظهر لهم أثر”.
وأشاد الخطيب “بالإقبال الكبير على المساجد، لا سيما أن البلاد تعيش أجواء أول شهر رمضان بعد سقوط نظام الأسد، وهي فرصة ثمينة لإظهار التراحم والوجه الإنساني للدين الإسلامي الحنيف”.
وإلى جواره، وقف الطبيب عمر مسالمة، الذي تحدث قائلًا: “إن المصلين باتوا يستمتعون بالإصغاء لخطبة الجمعة وارتياد المساجد دون أدنى قلق أو خوف، وأصبح بإمكانهم التعبد دون قيود أو ملاحقة أو خوف من الاعتقال”.
وأعرب مسالمة عن ارتياحه الكبير لبلوغ شهر رمضان الأول بعد سقوط نظام الأسد، قائلًا: “المساجد أصبحت مقصدًا للشباب السوري، ليس فقط من أجل الصلاة، بل لحضور حلقات العلم الشرعي والتباحث في قضايا تهم البلاد في هذه المرحلة الحساسة”.
وتزايد أعداد المصلين يعود لأسباب كثيرة، منها عودة مئات آلاف السوريين من المهجر بعد سقوط نظام الأسد، والتخلص من الحواجز العسكرية السابقة التي قطّعت المدن والشوارع، وباتت عائقًا أمام الحركة ومصدر خوف ورعب، ما أدى إلى قلة التحرك إلا للضرورة القصوى.
مسالمة: المصلّون باتوا يستمتعون بالإصغاء لخطبة الجمعة وارتياد المساجد دون أدنى قلق أو خوف، وأصبح بإمكانهم التعبد دون قيود أو ملاحقة أو خوف
المسجد العمري
أما في المسجد العمري، وقبيل بدء صلاة الجمعة، فقد افترش عدد من المصلين البُسط في ساحات المسجد وتحت أشعة الشمس الدافئة، يترقبون صعود الخطيب إلى المنبر.
وقال محمد مسالمة، أحد المصلين : “كنا نخاف سابقًا من التردد إلى المساجد، بسبب وجود كَتَبة التقارير للأمن، وهو ما دفعنا إلى التقليل من ذلك، ولو حصل وذهبنا للصلاة فإن الرعب يكون سيد الموقف”.
وأضاف مسالمة، وهو يرتدي عباءة أهل حوران: “الحمد لله، اليوم نصلي الجمعة وكل الصلوات في المسجد دون خوف، والخطيب يتحدث بكامل الحرية”.
وعلى مقربة منه، يجلس ماهر النقرات، بينما تظهر عليه ملامح الارتياح، وقال: “نعمة النصر جعلتنا أحرارًا حتى في صلاتنا ومساجدنا، ولا وجود بعد اليوم لعامل الرعب الذي بثه نظام الأسد”.
وأضاف النقرات : “المسجد العمري أحد معالم الثورة، يكتسي اليوم حلّته الحقيقية، ونستقبل أول شهر رمضان بروحانية كبيرة، ونحن مسرورون بعودة أقاربنا وأصدقائنا من بلاد الاغتراب”.
وفي 8 ديسمبر 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق، لينتهي بذلك 61 عامًا من نظام “حزب البعث” الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي اليوم التالي، أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، والذي أصبح رئيسًا للبلاد لاحقًا، تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة لإدارة المرحلة الانتقالية.