أخبار اليوم - دائمًا ما شغل الوقت، حيزًا مهمًا من أقلام المفكرين والفلاسفة في مختلف العصور، فمنهم من شبهه بالسيف، ومنهم من جعل قيمته كالذهب، ومنهم من جعله كنزًا غير قابل للاسترجاع.
وفي كرة القدم، يكتسب الوقت، أهمية كبرى، فدقيقة واحدة، بل ثوانٍ معدودة قد تكون كفيلة بتغيير مسار مباريات وبطولات، وبالتأثير في مسيرة لاعبين ومدربين ومجالس إدارات.
وعاش اتحاد جدة تلك الحالة تمامًا بنقيضيها خلال الموسم الحالي، فبينما جعلته ثوانٍ على قمة جدول الترتيب، حرمته أخرى من الابتعاد بصدارته، وهددت حلمه الذي بدا قبل ثوانٍ وكأنه قد تحقق.
عقدة الوقت الضائع
في غضون أسبوع واحد، حُرم اتحاد جدة، من الفوز الذي كان قاب قوسين أو أدنى منه في مباراتين متتاليتين، قبل ثوانٍ معدودة من إعلان انتصاره رسميًا.
يوم الأربعاء الماضي، تقدم الاتحاد على مضيفه الخليج 1-0 بهدف عبد الرحمن العبود في الدقيقة 78، وأنهى الوقت الأصلي فائزًا، لكن المباراة لا تنتهي بنهاية الوقت الأصلي، حيث تعادل أصحاب الأرض في الدقيقة السادسة من الوقت بدل الضائع.
وبعد 4 أيام، طال تقدم الاتحاد، حيث سجل حسام عوار، هدف الأفضلية على الضيوف في الدقيقة 39، ليُنهي الوقت فائزًا، ولكن هذه المرة جاءت الصدمة بهدف التعادل في الدقيقة السابعة من الوقت بدل الضائع.
وبسبب هاتين المباراتين، فقد الاتحاد 4 نقاط غالية أمام فريقين في النصف الأسفل من جدول الترتيب، بل إن الأخدود ينافس على الهبوط، ويحتل المركز قبل الأخير، وكانت هذه المباراة هي التاسعة التي لا يخسر فيها من أصل 23 مباراة.
صحيح أن الاتحاد يحتل الصدارة، ولكن بدلًا من أن يكون الفارق بينه وبين وصيفه الهلال 10 نقاط قبل 11 جولة من نهاية المسابقة، أصبح الفارق 6 نقاط، مع تبقي مباريات قوية أمام القادسية والنصر والأهلي والشباب والاتفاق.
سلاح أصبح فاسدًا
الغريب أن عقدة الوقت الضائع التي يعاني منها الاتحاد في الوقت الحالي، كانت سلاحه الأقوى والأبرز، والسبب الأكبر لتصدره جدول الترتيب.
ومنذ بداية الموسم، سجل الاتحاد 8 أهداف في الوقت بدل الضائع، غيرت 5 منها نتيجة المباراة، حيث منحته الفوز في 4 منها، وأنقذته من الهزيمة في واحدة.
وبحساب النقاط التي حصدها بفضل أهدافه في الوقت بدل الضائع، يكون الاتحاد قد فاز بـ 9 نقاط إضافية، من دونها كان سيحتل المركز الثاني في جدول الترتيب.
السر في الكلاسيكو؟
لكن صلاحية هذا السلاح انتهت بالتحديد بعد مباراة الكلاسيكو ضد الهلال، والتي حسمها "النمور" بنتيجة 4-1، السبت قبل الماضي، في الجولة 21 من دوري روشن.
وكان آخر هدف سجله الاتحاد في الوقت بدل الضائع، في الفوز على الوحدة بنتيجة 4-1، يوم 15 فبراير/شباط الماضي، بالجولة 20 من دوري روشن، قبل مباراة الكلاسيكو مباشرة.
وبعد الكلاسيكو، لم يسجل اتحاد جدة في الوقت بدل الضائع، بل على العكس، استقبل هدفين فيه، في مباراتين مختلفتين، ليفقد 4 نقاط مهمة.
ناقوس خطر
"لم نلعب بمستوانا الطبيعي، كنا نشعر ببعض الإعياء بعد مباراة الهلال، أعتقد أننا كنا نحس ببعض الإرهاق ولهذا لم نلعب بمستوى وإيقاع مرتفع".
وبهذه الكلمات تحدث بريدراج رايكوفيتش، حارس الاتحاد، عقب التعادل مع الخليج في الجولة الماضية، وهو تصريح يلخص سبب انقلاب الوقت الضائع من سلاح يستخدمه الاتحاد، إلى سلاح تستخدمه الأندية التي تلعب ضده.
وبدا من الواضح أن لاعبي الاتحاد لا يقفون على أقدامهم تمامًا في آخر مباراتين، حيث نال الإجهاد منهم نصيبه، وهو الأمر الذي لا يقتصر على ما بعد الكلاسيكو فحسب.
وإذا قسمنا موسم الاتحاد إلى نصفين، فيمكن القول إن النصف الأول المتميز انتهى بنهاية ديسمبر/كانون أول الماضي، فيما بدأ نصف آخر أقل بريقًا مع بداية يناير/كانون ثان.
وبنهاية النصف الأول، كان الاتحاد قد سجل 5 أهداف في الدقيقة 90 وما بعدها، بينما لم يستقبل سوى هدف وحيد في الوقت بدل الضائع، لم يكن مؤثرًا في نتيجة المباراة.
أما في النصف الثاني من الموسم، فلم يسجل الاتحاد سوى 3 أهداف في الوقت بدل الضائع، فيما سكنت شباكه 5 أهداف كاملة في نفس الفترة، أحدها تسبب في خسارته، و3 أهداف أخرى تسببت في تعادله، ليفقد بسببها 7 نقاط أيضًا.
وإن دل هذا على شيء، فهو يدل على التراجع في المعدل البدني لفريق الاتحاد، قد يكون مصحوبًا بثقة زائدة أو احتفال مبكر أو عدم تركيز من اللاعبين في الوقت الضائع، غير عابئين بما يمكن لهذا الوقت فعله، في قلب موازين الأمور.
وإن استمر هذا التراجع البدني مصحوبًا بالتراجع الذهني، فلن يعني سوى خسارة الاتحاد للقب الدوري في الوقت الضائع من الموسم، وهو الوقت الذي لم يحن بعد، فنحن ما زلنا في الوقت الأصلي، والنهاية لا تزال على بعد 11 جولة كاملة.
فرصة أخيرة
يمتلك الاتحاد فرصة أخيرة لإنقاذ نفسه، من لعنة الوقت الضائع في المباريات، حتى لا تصيبه في البطولات، ويخسر بسببها الدوري في آخر الأوقات.
الاتحاد لن يلعب هذا الشهر سوى مباراتين، أمام القادسية يوم الخميس المقبل، ثم أمام الرياض بعدها بأسبوع كامل، فيما سيكون باقي الشهر فارغًا، في ظل عدم مشاركته آسيويًا كباقي خصومه، وإقامة معسكر للمنتخب السعودي في النصف الثاني من الشهر.
وسيكون على الفرنسي لوران بلان مدرب الاتحاد، التخلص من مباراة عنق الزجاجة أمام القادسية بأي وسيلة ممكنة، ثم ستكون مهمة الرياض أسهل، في ظل الفاصل الزمني الكبير.
وبعد ذلك، ستكون أمام بلان، فرصة ذهبية للانقضاض على الدوري، بعد التعافي خلال فترة التوقف، مستغلًا الضغط البدني الذي سيعاني منه خصومه بسبب دوري النخبة الآسيوي، لا سيما حال التأهل للأدوار النهائية في أبريل/نيسان المقبل.
أما إذا لم يستغل المدرب الفرنسي تلك الفرصة، فلن يكون أمامه سوى أن يتعلم قيمة الوقت من ملوك الوقت في الدوري السعودي، الهلال الذي لن يتوانى عن الانقضاض على الصدارة إذا لاحت له الفرصة، وهو الذي فعلها مرارًا وتكرارًا، لا سيما بعد الانتهاء من البطولة الآسيوية.