أخبار اليوم - سهم محمد العبادي - عاد جلالة الملك عبدالله الثاني إلى أرض الوطن، الجمعة، بعد زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، رافقه فيها سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد. زيارة تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واستراتيجية، خاصة أنها جاءت في سياق لقاء أخوي جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، بدعوة من سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي.
اللقاء الذي وُصف بـ"الأخوي"، يحمل أكثر من دلالة في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات جيوسياسية كبرى، ويؤكد أن الدول العربية المعنية بهذا التجمع تدرك تمامًا أن التحديات لم تعد فردية، بل مصيرية، وأن وحدة الموقف باتت ضرورة وليست ترفًا دبلوماسيًا. المواطن العربي، الذي تابع هذا اللقاء، لم يرَ فيه مجرد اجتماع بروتوكولي، بل عكس رغبة شعبية عارمة في استدامة الأخوة العربية، وتحقيق تعاون استراتيجي يجعل من هذه الدول قوة قادرة على التأثير في الإقليم والعالم.
طوال العقود الماضية، كانت العلاقات العربية تمر بموجات من التقارب والتباعد، لكن ما يميز هذا اللقاء في الرياض أنه يعكس إرادة سياسية حقيقية لتجاوز الخلافات، والتأسيس لتحالف عربي يمتلك القدرة على تنسيق المواقف والتأثير الفعلي في مستقبل المنطقة والعالم. الربط بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، والأردن ومصر من جهة أخرى، ليس مجرد تقارب عابر، بل هو بناء استراتيجي على مصالح مشتركة تشمل الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية. الأردن، الذي يمثل حلقة الوصل الجغرافية والسياسية بين الخليج والمشرق العربي، ومصر، التي تمثل الثقل البشري والتاريخي، كلاهما يشكلان ركيزة أساسية لأي تحالف عربي ناجح.
الدول المشاركة في هذا اللقاء تمتلك أدوات تأثير فاعلة، سواء في الاقتصاد أو السياسة أو حتى في الملفات الأمنية والعسكرية. فمن ناحية، يشكل مجلس التعاون الخليجي قوة اقتصادية ضخمة ذات نفوذ عالمي، ومن ناحية أخرى، يُعتبر الأردن ومصر قوتين استراتيجيتين في معادلة التوازن الإقليمي، قادرين على تأمين استقرار المنطقة وحماية المصالح العربية المشتركة.
المواطن العربي، وهو يتابع تفاصيل هذا الاجتماع، يتطلع إلى أن يكون بداية لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك. فالتحديات التي تواجه المنطقة، سواء في فلسطين، أو في الأوضاع الأمنية في بعض الدول العربية، أو حتى في الملفات الاقتصادية، تتطلب تنسيقًا مستمرًا وموقفًا موحدًا قادرًا على فرض نفسه في المحافل الدولية. هناك من يرى في هذا اللقاء نواة لتحالف عربي جديد، يتجاوز مفهوم القمم التقليدية إلى بناء منظومة عمل مشترك قائمة على المصالح المتبادلة والتأثير الحقيقي في القرارات الدولية. التكتلات الإقليمية أصبحت اليوم ضرورة حتمية، والعالم لا يعترف إلا بالقوى المنظمة القادرة على فرض رؤيتها.
منذ سنوات، والأردن يدعو إلى موقف عربي موحد، وإلى تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات. في كل مناسبة، يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني أن أمن المنطقة لا يتحقق إلا من خلال التكامل والتعاون، وأن المصير العربي مشترك، ولا يمكن لدولة بمفردها أن تواجه التحديات دون دعم محيطها. الأردن، بموقعه الجيوسياسي الحساس، يدرك أن استقرار المنطقة لا يتحقق إلا من خلال شراكات استراتيجية حقيقية. وعندما يشارك جلالة الملك في لقاء من هذا النوع، فإنه يحمل معه رؤية واضحة تقوم على أن استقرار الإقليم يبدأ من وحدة الموقف العربي، وأنه لا يمكن التعامل مع الملفات الدولية بمنطق رد الفعل، بل لا بد من استراتيجية موحدة تكون الدول العربية فيها طرفًا فاعلًا وليس مجرد متلقٍ للقرارات.
اللقاء الأخوي في الرياض ليس مجرد اجتماع عابر، بل محطة مهمة في مسار العمل العربي المشترك. المواطن العربي اليوم، وهو يراقب هذه التحركات، يتمنى أن تتحول هذه اللقاءات إلى خطوات عملية تقود إلى استقرار المنطقة، وحماية المصالح العربية، وتعزيز مكانة الدول العربية على الساحة الدولية. مستقبل الإقليم لم يعد يُصنع بعيدًا عن العواصم العربية، بل بات لهذه الدول كلمة مسموعة وتأثير حقيقي، بشرط أن يبقى التنسيق مستمرًا، والموقف موحدًا، والرؤية واضحة تجاه التحديات المشتركة.