نذر الحرب: ماذا تعني عودة الحرب؟

mainThumb
نذر الحرب: ماذا تعني عودة الحرب؟

19-02-2025 03:10 PM

printIcon

د. حسن البراري

تلوح في الأفق بوادر استئناف حرب الإبادة من جديد في ظل حالة من الاستعصاء والتمترس خلف مواقف قد لا تكون عملية ولا تفضي إلى انهاء الحرب وقد تؤسس لحالة من الانجراف التي لا يعلم أحد كيف ستنتهي.

فإسرائيل تسعى لإقصاء حماس عسكريًا وسياسيًا، وسط تهديدات أمريكية بالتهجير يقابلها رفض عربي قاطع لهذه الفكرة، مما يزيد من احتمالات انفجار الوضع. وفي ذات السياق، ترفض حماس بشكل قاطع نزع سلاحها أو الخروج من المشهد السياسي حتى مقابل انهاء الحرب، مؤكدة أن الحل أو "اليوم التالي" يجب أن يكون توافقًا فلسطينيًا شاملًا. وتعد الحركة بتحقيق "أعظم إنجازاتها" يوم السبت القادم بإطلاق سراح أصحاب المؤبدات من السجون الإسرائيلية، ما قد يعزز موقعها بين الفلسطينيين. الذين قدموا التضحيات الهائلة منتظرين لحظة خروج الأسرى.

لكن وعلى الرغم من ثبات حماس على موقفها، فهي تدرك جيدا أن الإقليم قد تغير، وعليه فإن المرونة في التكتيك وليس في الهدف قد يشكل مخرجًا لهذا الفخ المحكم، من هنا أبدت حماس مرونة في المفاوضات، حيث أعلن خليل الحية استعداد الحركة لإطلاق سراح جميع الإسرائيليين المحتجزين دفعة واحدة (وهو ما طالب به ترامب) مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من غزة وإنهاء الحرب. هذه المرونة تلقى استجابات متباينة في إسرائيل؛ فبينما يراها البعض فرصة للضغط على نتنياهو لاستمرار المفاوضات واستعادة الرهائن حتى لو كان الثمن انهاء الحرب والابقاء على حماس، يصفها آخرون بأنها مؤشر ضعف. لحماس ينبغي أن يستثمر لإنهاء المواجهة مرة وللأبد.

لكن في المقابل، تواجه السياسة الفلسطينية انتقادات شديدة بسبب عجزها عن تحقيق الوحدة الوطنية، وهو عامل رئيسي أدى إلى إضعاف القضية الفلسطينية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. فمنذ الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس في عام 2007، تعمق الشرخ الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، طبعا لم يقتصر هذا الانقسام على الجغرافيا فقط، بل امتد إلى الاختلافات في الرؤى السياسية والاستراتيجيات للتعامل مع القضايا الكبرى، كالمفاوضات والمقاومة ما أدى إلى ضبابية في تحديد الأولويات الوطنية، وهو أمر علمت به إسرائيل وقامت بتغذيته بالاستعانة بأطراف إقليمية واستغلته جيدا لمنع تبلور موقف فلسطيني موحد.

فشل المجتمع السياسي الفلسطيني في بناء مظلة شاملة تضم كافة الفصائل والقوى الوطنية، وبدلًا من التركيز على المصالح الوطنية، انخرطت القيادات في صراعات على النفوذ والمكاسب السياسية، ما أضعف ثقة الشعب الفلسطيني بها. هذا الفشل في التوحد منح إسرائيل مساحة أكبر لتعميق احتلالها وتقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية إذ استفادت من هذا الانقسام لتفادي أي ضغط دولي جاد.

في ظل هذا الواقع، تحتاج القيادة الفلسطينية إلى إعادة تقييم جادة لاستراتيجياتها أو حتى مراجعة فكرية وأيدولوجية، والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية التي تتجاوز المصالح الحزبية الضيقة، وتصب في مصلحة الشعب الفلسطيني ومستقبله. فلم يعد يخفى حتى على المغفلين بأن استمرار الوضع الحالي لا يخدم إلا الاحتلال، بينما يدفع الشعب الفلسطيني ثمن هذا الانقسام من حياته وحقوقه.

هذا لا يعني أنه لا توجد مخططات تحاك بالفلسطينيين وتعمل على تعميق الانقسام بينهم، سواء عبر تدخلات إقليمية أو دولية تهدف إلى تأجيج الخلافات الداخلية وإضعاف الصف الوطني. ومع ذلك، فإن وجود هذه المخططات لا يبرر استمرار الانقسام أو يفسر غياب الوحدة بشكل كامل. فالشعب الفلسطيني يتمتع بوعي سياسي عالٍ وإدراك للمخاطر المحيطة بقضيته الوطنية، وهو ما يجعل قبول الوضع الحالي واستمراره أمرًا يصعب تبريره أو تفهمه في ظل التحديات المصيرية التي يواجهها.

أدعم وبقوة الشعب الفلسطيني في نضاله العادل لنيل حقوقه المشروعة. ومن موقعي كأحد مثقفي هذه الأمة، أرى أن كل يوم تأخير في تحقيق الوحدة الوطنية هو بمثابة هدية للاحتلال.