سهم محمد العبادي
في مسيرة الرجال الكبار، هناك من تصنعهم المناصب، وهناك من يصنعون المناصب، والدكتور فايز الربيع كان من الطراز الثاني، رجلٌ لم يكن بحاجة إلى لقب كي يُعرف، ولا إلى موقع كي يُشار إليه بالبنان، بل كان اللقب بحد ذاته، والموقع الذي يُحتذى به.
من دبلوماسي حمل صورة بلاده في المحافل الدولية، إلى أكاديمي زرع في عقول طلابه معنى الفكر العميق، إلى باحث لم يتوقف عن التنقيب في زوايا التاريخ والسياسة والفكر، إلى مرجعية يعود إليها كل من ضلّت به السبل وسط زحام المعلومات وضجيج التحليلات. لم يكن مجرد شاهد على الأحداث، بل كان قارئًا لها قبل وقوعها، ومحللًا لها بعد حدوثها، وناقدًا لما كان يمكن أن يكون.
هو رجلٌ تقرأ في ملامحه حكايات التجربة، وفي كلماته خلاصة المعرفة، وفي صمته دراما التاريخ. لم يكن يومًا من أولئك الذين يجاملون على حساب الحقيقة، بل كان ممن يقولونها حتى لو كلفهم ذلك الكثير. يزن الكلمات كما يزن السياسيون قراراتهم، ويختار عباراته كما يختار القائد خطوط معركته، لأن الكلمة عنده مسؤولية، والفكر عنده رسالة، والموقف عنده حياة.
لم يكن أسير مدرسة فكرية واحدة، بل كان جامعة من الرؤى، يأخذ من الماضي دروسه، ومن الحاضر أدواته، ومن المستقبل استشرافاته، فلم يُفاجَأ يومًا بحدث، ولم تؤثر فيه عواصف التغيرات، لأنه كان دائمًا يعرف إلى أين يتجه، ومتى يتحدث، وكيف يصوغ الرأي الذي يبقى.
اليوم، حين يذكر اسم فايز الربيع، يذكر معه رجلٌ تجاوز حسابات اللحظة، ليكون جزءًا من حسابات التاريخ. شيباته ليست مجرد لون غزا الرأس، بل هي تواقيع كتبها الزمن على جبين رجل لم يهادن، ولم يساوم، ولم يتنازل عن شرف الكلمة وكرامة الموقف. فالتاريخ يروي قصص العظماء، لكنه حين يتوقف عندك، لا يكتفي بسرد سيرتك، بل يستشهد بك… لأنك مرجعيته!