صحيفة فرنسية :"ريفييرا غزة" جذور وهم لدونالد ترامب

mainThumb
صحيفة فرنسية :"ريفييرا غزة" جذور وهم لدونالد ترامب

16-02-2025 02:38 PM

printIcon

أخبار اليوم - قال موقع ميديابارت الفرنسي، إنه من بين كل التصريحات المثيرة التي أدلى بها رئيس الولايات المتحدة، فإن التصريح الخاص بمستقبل قطاع غزة، الذي يكرره كل يوم تقريبا، هزّ آراء وزعماء العالم أجمع. في الواقع، يخلط الملياردير بين رؤيتين جديدتين إلى حد ما.

وأضاف ميديابارت أن دونالد ترامب، على الرغم من كونه رئيسا للولايات المتحدة، ما يزال مطورا عقاريا في جوهره. كما أن 40 كيلومترا من الشاطئ الرملي الذي يحده البحر الأزرق، يضع النجوم في عينيه، في شكل مبانٍ فخمة وفنادق عالمية المستوى، وأجواء بطاقة بريدية، باختصار، كما أكد هو “ريفييرا”.

أتى الحماس الوحيد من إسرائيل، حيث تم الترحيب بالفكرة باعتبارها “مبتكرة” و“جريئة”. وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ“الفكرة الجيدة الأولى” التي سمعها بشأن الوضع في غزة بعد الحرب.

وعند الفحص الدقيق، فإن الشيء الجديد الوحيد هو أن دونالد ترامب يخلط بين وهمين أو خيالين قديمين في وهم واحد. الأول، هو التخلص من السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. والثاني يتمثل في تحويل القطاع جذريا إلى يوتوبيا تكنولوجية رأسمالية حضرية. فكلاهما له جذوره في التاريخ الحافل بالأحداث لهذا المكان، والذي لم يكن “شريطا” إلا منذ عام 1948.

تقع غزة على طريق التجار والغزاة الذين يسافرون عبر الشرق الأدنى والأوسط من مصر إلى سوريا، ومن الجزيرة العربية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد انتقلت غزة باستمرار من يد إلى أخرى منذ العصور القديمة، وهي “كانت بمثابة جسر أساسي لأي غزو لبلاد الشام عبر سيناء” لعدة قرون، على حد تعبير المؤرخ جان بيير فيليو في كتابه تاريخ غزة (2024).


الخيال الديموغرافي
تبيع الواحة الساحلية الواقعة بين سيناء ويافا جلدها بأبخس الأثمان. لقد شهد الإسكندر الأكبر الذي حاصرها لأكثر من 100 يوم في عام 332 م. وفي غضبه قام بذبح سكانها. كما كان من بين القادة البريطانيين الجنرال أرشيبالد موراي الذي قاد القوة الاستكشافية المصرية، وفقد 6500 رجل هناك أثناء محاولته انتزاعها من جنود الإمبراطورية العثمانية في عام 1917، يشير ميديابارت دائما.

عام 1948 وقيام دولة إسرائيل يشكلان كارثة ربما كانت أعظم في غزة من أي مكان آخر. لقد انقلبت جغرافيتها ووضعها الاجتماعي ومصيرها رأساً على عقب بفعل النكبة التي أدت إلى النزوح القسري لـ750 ألف فلسطيني من أرضهم الأصلية، حيث طردتهم الميليشيات اليهودية ثم جيش الدولة العبرية الفتية. لتتحول المدينة الإقليمية وبساتينها الكبيرة عند بوابة صحراء النقب وسيناء إلى مخيم ضخم للاجئين.

مرة أخرى يرفض سكان غزة، القدامى والجدد، مصيرهم. وفي هذه المنطقة الصغيرة، التي أدارتها مصر في البداية ثم احتلتها إسرائيل بعد حرب عام 1967، ظهرت الجماعات المسلحة الأولى، المعروفة باسم الفدائيين. “فلقد حلم الإسرائيليون دائما بإفراغ قطاع غزة المليء بالمقاتلين والسكان المعادين”، كما يقول أباهر السقا، أستاذ في جامعة بيرزيت.

وبالتالي، فإن فكرة “التخلص” من السكان الفلسطينيين في غزة، من خلال إجبارهم على المغادرة، طوعا أو بالقوة، ولدت في صفوف الطبقة السياسية والجيش والرأي العام الإسرائيلي، قبل وقت طويل من هجوم حماس على الكيبوتسات والبلدات الإسرائيلية المحيطة بغزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

في كتابه “تاريخ غزة”، يذكّر جان بيير فيليو، بهوس رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشول، الذي تولى منصبه من عام 1963 إلى عام 1969، بالتركيبة السكانية للسكان الفلسطينيين في القطاع، ومشاريع “النقل” المختلفة التي أطلقها إلى العراق وليبيا وحتى أمريكا اللاتينية. من جانبه، يؤيد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيغال ألون فكرة الطرد إلى سيناء المصرية.

ولم تختف الفكرة أبدا، بل ظهرت بشكل دوري وفقا للأحداث ومشاريع الاستعمار، وتم التعبير عنها بقوة أكبر أو أقل اعتمادا على الانتماءات السياسية، يؤكد موقع ميديابارت؛ مشيرا إلى أنه بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وضعت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية خطة بشأن غزة، ودرست ثلاثة خيارات. الخيار المفضل، بحسب الوثيقة، هو التهجير القسري للسكان إلى سيناء.


يوتوبيا تكنولوجية حضرية فوق الأرض
رفضت مصر ذلك رفضا قاطعا، وإدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن أيضا. ولم يتخل اليمين المتطرف الإسرائيلي قط عن مشروع “إنهاء المهمة” التي بدأ تنفيذها في عام 1948، وهو المشروع الذي يحظى اليوم بموافقة اليمين إلى وسط اليسار من الطيف السياسي وأغلبية السكان الإسرائيليين.

ومن هنا جاءت شعبية المشروع الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ففي أذهان اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، فإن الخطوة التالية ستكون إعادة احتلال قطاع غزة. وقد روجت العديد من التجمعات لهذه الفكرة. أما دونالد ترامب، من جانبه، فيتصور أمراً أكبر من ذلك. ولكنه ليس الوحيد، يقول ميديابارت دائما.

فالمشروع الذي لا يتم بناؤه بالكامل، يشبه إلى حد كبير المشروع الذي تم الكشف عنه قبل بضعة أشهر، في مايو/ أيار عام 2024: الكهرباء الشمسية، والقطار الجوي، والأبراج المكونة من ثلاثين طابقا، وستتطور المنطقة على ثلاثة ركائز: السياحة والزراعة والتكنولوجيا الفائقة.

ومن عجيب المفارقات التاريخية أن أول من تجرأ على الحديث عن هذا النوع من اليوتوبيا لقطاع غزة كان ياسر عرفات، يتابع موقع ميديابارت، موضّحاً أنه من هذا المنطلق، كان عرفات يحلم بأن تصبح غزة “سنغافورة الشرق الأوسط”. وكان ذلك بعد تنصيبه في الأراضي الفلسطينية عام 1994، حيث أصبحت غزة مقراً مؤقتاً للسلطة الفلسطينية.

فكرة “سنغافورة” تبناها الإسرائيلي شمعون بيريز، شريك ياسر عرفات في اتفاقات أوسلو. وقد تعرضت لانتقادات شديدة من جانب اليمين الإسرائيلي، وخاصة بعد الانسحاب الأحادي الجانب من المستوطنات اليهودية في غزة الذي نفذه أرييل شارون عام 2005.

لقد ماتت هذه الحركة مثل اتفاقات أوسلو وعملية السلام، ولكنها عادت إلى الحياة على شكل وحش هجين وُلد من فم قطب العقارات الذي تحول إلى رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، يقول موقع ميديابارت.