حرب رقمية على الأردن… فمن يقف خلفها؟

mainThumb
حرب رقمية على الأردن… فمن يقف خلفها؟

16-02-2025 02:17 PM

printIcon

أخبار اليوم - تالا الفقيه - في ظل تصاعد الحملات الممنهجة على الأردن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باتت الحسابات الوهمية أحد أخطر أدوات التضليل الإعلامي، مستغلة طبيعة المنصات الرقمية التي تتيح نشر المعلومات دون رقابة حقيقية أو إمكانية للتحقق من مصداقيتها. هذه الحسابات لا تهاجم الأردن بشكل مباشر فحسب، بل تمارس المكر والخداع، فتستخدم خطابًا يبدو موضوعيًا في البداية قبل أن تتحول إلى أداة لخلق حالة من الشك والتشكيك في كل ما يتعلق بالدولة ومؤسساتها.

ما يميز هذه الحملات أنها لا تقتصر على الترويج لمعلومات مغلوطة، بل تتقن استغلال الأحداث الجارية وإعادة صياغتها بطريقة تخدم أجندات معينة. وأبرز الأمثلة على ذلك ما حدث مع قناة الجزيرة عندما قامت بترجمة خاطئة لحديث الملك عبدالله الثاني بن الحسين مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما أدى إلى تضليل المشاهدين ودفعهم لتكوين تصورات مغلوطة عن الموقف الأردني. هذا النوع من التضليل ليس مجرد خطأ عفوي، بل يعكس نمطًا متعمدًا تستخدمه بعض الجهات الإعلامية والحسابات الرقمية لتوجيه الرأي العام نحو مسارات معينة.

في الجانب التقني، يشير خبراء الأمن السيبراني إلى أن هذه الحسابات تُدار بأسلوب احترافي، حيث تستخدم تقنيات متطورة لإخفاء مصدرها الحقيقي. يتم تشغيلها عبر شبكات VPN وأدوات تغيير الهوية الرقمية، ما يجعل تعقبها أمرًا صعبًا. علاوة على ذلك، تعتمد هذه الحملات على إعادة نشر الأخبار القديمة وإظهارها كأحداث جديدة، أو التلاعب بالمصطلحات والتفاصيل الصغيرة لإحداث بلبلة بين المتابعين.

أما عن الجهات التي تقف خلف هذه الحرب الرقمية، فهناك عدة أطراف قد تكون مستفيدة. بعضها جهات خارجية لها مصلحة في زعزعة استقرار الأردن، بينما تعمل جهات أخرى داخلية على استغلال هذه الحملات لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. أضف إلى ذلك بعض المجموعات المعارضة التي ترى في هذه الفوضى فرصة لإضعاف الثقة بالمؤسسات الرسمية.

المشكلة الأساسية التي تواجه المواطنين في هذا السياق هي عدم وجود وسيلة للتحقق من صحة المعلومات، حيث يتلقى المستخدمون كميات هائلة من الأخبار يوميًا دون أي ضمانات لمصداقيتها. هذا الفراغ في المعلومات الموثوقة يفتح الباب أمام الحسابات الوهمية لاستغلال الأحداث وتوجيهها بما يخدم أهدافها.

ردود الفعل الشعبية تجاه هذه الظاهرة متباينة، فالبعض ينجرف بسهولة وراء هذه الحسابات، خاصة عندما تلعب على العواطف الوطنية والاجتماعية، بينما هناك من بات أكثر وعيًا بحقيقة هذه الحملات. خالد الزعبي، أحد مستخدمي تويتر، يؤكد أنه بات يشكك في كل خبر يراه، خاصة مع تكرار المنشورات المشبوهة التي تروج لنفس الروايات. في المقابل، ترى رنا الحياري أن هذه الحسابات نجحت في خداع الكثيرين؛ لأنها تطرح نفسها كجهات محايدة، لكنها في الحقيقة تمارس التضليل المنهجي.

هنا تبرز أهمية التوعية بمخاطر هذه الحسابات وأثرها السلبي على المجتمع، فالضرر لا يقتصر على تشويه سمعة الدولة أو إثارة الفتنة، بل يمتد ليشمل إضعاف الثقة بين المواطن ومؤسساته، ما يؤدي إلى حالة من الإحباط والتشكيك الدائم. عندما يصبح المواطن متلقيًا سلبيًا لكل ما يُنشر دون تمحيص، فإن ذلك يسهم في انتشار الفوضى المعلوماتية، وهو ما تسعى إليه الجهات التي تدير هذه الحرب الرقمية.

لمواجهة هذه الظاهرة، يرى الخبراء أن الحل يبدأ من تعزيز الوعي الإعلامي لدى المواطنين، بحيث يصبحون أكثر قدرة على تمييز الأخبار الحقيقية من المزيفة. كما أن على الدولة تعزيز الشفافية والتواصل السريع مع الجمهور لمنع انتشار الشائعات قبل أن تتحول إلى حقائق مزيفة. في الوقت نفسه، يجب تطوير آليات تقنية لمكافحة الحسابات الوهمية وتعقب مصادرها، حتى لا تبقى ساحة الإعلام الرقمي مفتوحة أمام هذه الجهات التي تستغل الفوضى المعلوماتية لنشر أجنداتها.

في النهاية، تبقى مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدين، يمكن أن تكون أداة لنقل الحقيقة أو وسيلة لنشر التضليل والفوضى. الحرب الرقمية على الأردن ليست مجرد منشورات عابرة، بل هي معركة تهدف إلى زعزعة الثقة وزرع الشك، فإما أن نكون ضحايا لها، أو أن نكون قادرين على مواجهتها بالعقل والمنطق والوعي الإعلامي.