سالي الأسعد
في زمن تعصف فيه الأخبار المتضاربة والمعلومات المغلوطة بكل شيء حولنا، تتجاذبنا تيارات من عدم اليقين، تغذّيها إشاعات تنتشر بسرعة البرق، حتى بات التمييز بين الحقيقة والخيال مهمة صعبة. … في ظل هذا الواقع الضبابي في مصداقيته، تبرز حقيقة أننا في زمن الفتن.. فتن تعززها منشورات منصات التواصل الاجتماعي وحالة السداح مداح في نشر الأخبار والتعليق عليها دون تدقيق أو تحقق.
في وسط هذا الضجيج، تبقى هناك حقيقة واحدة واضحة: الثقة هي العمود الفقري لاستقرار المجتمعات. وحين تتزعزع هذه الثقة، يصبح الجميع في حالة ترقب وقلق، ينتظرون رسائل طمأنة من الجهات المسؤولة، ويبحثون عن الحقائق وسط بحر من الافتراضات. لذلك، لا بد من العمل على تعزيز هذه الثقة وتنميتها، من خلال المصارحة والمكاشفة، والابتعاد عن التهرب أو التواري خلف أعذار واهية.
كل جهة أو شخص قد يخطئ وقد يصيب، فليس هناك طرف معصوم من الزلل. لكن المشكلة تكمن حين يقع الخطأ، سواء عن جهل أو عمد، ثم لا يجد صاحبه الشجاعة للاعتذار أو تصحيح المسار. الأزمات الأخيرة أثبتت لنا كم من أسماء رنانة تورطت في نشر أخبار خاطئة، أثارت بلبلة كادت تفتح أبواب الفتنة، ثم اختفت بصمت، غير مكترثة بعواقب ما فعلت. أو تعذرت بعبارات واهية لا تسمن ولا تغني من جوع … إن كان الخطأ واردًا، فالتراجع عنه واجب، والاعتذار عنه دليل نضج واحترام، لا ضعف أو تراجع.
المؤسسات الإعلامية، الجهات الرسمية، وحتى الأفراد، كلنا معنيون بإعلاء قيمة التحقق قبل نشر أي معلومة. علينا أن نسأل: من أين جاءت هذه الأخبار؟ من المستفيد من نشرها؟ هل هناك مصادر موثوقة تؤكدها؟ ففي زمن الفتن، يكون نشر الإشاعة أشد خطرًا من اختلاقها، لأنها تكتسب زخمًا كلما تداولها الناس دون تمحيص.
المصارحة هي الحل، والمكاشفة تبني الجسور بين الشعوب وحكوماتها، لأن إخفاء الحقائق لا يؤدي إلا إلى تعميق الشكوك. نعم، هناك أوقات عصيبة وأحداث معقدة، لكن مواجهتها بالحقيقة، مهما كانت مؤلمة، أفضل ألف مرة من ترك الناس نهبًا للتكهنات.
في النهاية، لا يمكن لأحد إيقاف سيل المعلومات في هذا العصر، لكن بإمكاننا أن نكون أكثر وعيًا في التعامل معها. لنتحمل جميعًا مسؤولية الكلمة، لأن الكلمة قد تكون طوق نجاة، وقد تكون شرارة فتنة.
حمى الله الأردن.. قويا آمنا وادعا مستقرا