الأسعار المرتفعة لإيجار البيوت تضاعف معاناة العائدين إلى شمال غزَّة

mainThumb
الأسعار المرتفعة لإيجار البيوت تضاعف معاناة العائدين إلى شمال غزَّة

11-02-2025 12:22 PM

printIcon

أخبار اليوم - بعد خمسة عشر شهرًا من حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، عاد النازحون إلى الشمال، لكنهم لم يعودوا إلى بيوتهم، بل إلى أنقاضها. وجدوا الحياة معدومة الأساسيات، ولم تقتصر معاناتهم على فقدان المأوى، بل تضاعفت مع ارتفاع أسعار الإيجارات إلى أكثر من الضعف، مما جعل العثور على مسكن جديد مهمة شبه مستحيلة.

محمد صالح (35 عامًا)، أحد الذين دُمِّرت بيوتهم في شمال قطاع غزة، عاد إلى منطقته بعد توقف حرب الإبادة الإسرائيلية ليجد بيته، الذي كان يؤوي أسرته المكونة من ستة أفراد إضافة إلى أبيه وإخوته، قد سُوِّي بالأرض.

يقول إن الحرب، في نظره، لم تنتهِ، بل بدأت حرب جديدة متمثلة في البحث عن مأوى جديد.

يوضح صالح لصحيفة "فلسطين" أن رحلة البحث عن بيت يستأجره هي قطعة من العذاب، نظرًا لحجم المباني المدمرة، وحتى إن وجد بيتًا، فإن سعر إيجاره خيالي.

يشير إلى أنه تفاجأ بأسعار الإيجارات الباهظة، فقد وصلت إلى أكثر من الضعف مقارنةً بالأيام التي سبقت الحرب.

يضيف: "تخيّل أن إيجار شقة لا تتجاوز 70 مترًا يفوق 600 دولار شهريًا! في أحسن الأحوال، قبل الحرب، كانت لا تتجاوز 500 شيكل."

وطالب أصحاب البيوت بأن "يتقوا الله ولا يستغلوا حاجة الناس، وأن يخفضوا الأسعار".

محمد جبريل (30 عامًا) هو الآخر وجد نفسه في الشارع بعد أن عاد من نزوحه الإجباري إلى حي النصر غربي مدينة غزة، حيث كان يسكن قبل الحرب.

يقول جبريل لـصحيفة "فلسطين" إنه كان في الأصل مستأجرًا قبل الحرب، وكان يمني نفسه أن يعود من نزوحه إلى البيت الذي كان يؤويه هو وعائلته، غير أنه تفاجأ بأن مالك البيت قد تراجع عن فكرة الإيجار وعاد ليسكن فيه، نظرًا لأن بيته الأصلي قد دمرته الطائرات الحربية الإسرائيلية.

يوضح جبريل أن خبر عودة مالك البيت عن الإيجار أصابه بالإحباط، لتبدأ حياة التشرد من جديد. زوجته عند بيت أهلها، وهو يدور في الشوارع يبحث عن بيت يقيه برد الشتاء.

يشير جبريل، الذي تزوج حديثًا قبل الحرب، إلى أنه وجد إعلانًا عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يعرض فيه شخصٌ مكانًا للإيجار، فسارع للاتصال بالمعلن، عله يجد ضالته.

يكمل: "ذهبت إلى المكان لأرى عن قرب ما الذي سأسكن فيه، فوجدته سدة حاصلٍ، أرضيتها خشبية، لا يتجاوز طولها 6 أمتار وعرضها مترين ونصف، وخالية من المرافق الأساسية، والمكان لا يصلح للسكن."

يلفت إلى أن هذه التفاصيل ليست المشكلة مقارنةً بالسعر الذي يطلبه المعلن، "يريد 800 شيكل شهريًا مقابل المكوث في هذه البقعة! نصف هذا المبلغ كنت أدفعه مقابل إيجار شقة محترمة بمرافقها."

وبقي جبريل يسأل كل من يعرفه عن بيت يستأجره، متمنيًا أن يجد بيتًا بسعر مناسب في ظل هذا الغلاء الفاحش.

أما محمود عمر (40 عامًا) من مخيم الشاطئ، فقد "حَفِيَت قدماه" وهو يبحث عن بيت يستأجره عوضًا عن بيته الذي دمرته الطائرات الحربية الإسرائيلية.

يقول إنه منذ أن توقفت الحرب، وهو يدور في الشوارع، وكلما رأى بيتًا واقفًا، يدق بابه ويسأل عن بيت للإيجار.

يضيف: "في مخيم الشاطئ لا يوجد متسع لنصب خيمة، ولم أجد مكانًا في مراكز الإيواء بعد عودتي من النزوح."

يكمل أن أحد معارفه قد دله على بيت معروض للإيجار، فطار من الفرح، عله يؤوي فيه عائلته، لكنه اصطدم بسعر الإيجار: "800 دولار شهريًا! مبلغ لا أستطيع توفير نصفه!" ليعود أدراجه بخفي حنين.

يوضح أنه يأمل أن يجد بيتًا للإيجار بسعر مناسب يستطيع دفعه، إلى حين أن تبدأ عملية إعادة الإعمار.

أزمة متوقعة

ويرى المختص في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن الارتفاع الحاد في أسعار الإيجارات بعد عودة النازحين أمر متوقع، في ظل الدمار الواسع الذي طال المنازل والمنشآت والبنية التحتية. ويقدّر أن نسبة الدمار في هذه القطاعات بلغت نحو 85%، مما أدى إلى اختلال واضح في سوق الإسكان، حيث تزايد الطلب بشكل كبير مقابل انخفاض حاد في المعروض.

ويوضح أبو قمر أن التدفق الكبير للعائدين إلى المناطق التي بقيت سليمة جزئيًا أو خضعت لإصلاحات مؤقتة زاد من الضغوط على سوق العقارات، في حين أن النقص الحاد في المساكن المتاحة جعل الأسعار ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة.

ويشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والتضخم الناجم عن الحرب أسهما في ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، بما في ذلك أسعار الإيجارات، مما يشكل عبئًا إضافيًا على السكان. وأكد أن هذا الارتفاع قد يؤدي إلى أزمة مالية خانقة للأسر التي تجد صعوبة في توفير تكاليف السكن، مما يزيد من معاناتها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.