الأدباء في غزة .. أهدافٌ للصواريخ وأصواتٌ لا تُسكتها الحرب

mainThumb
الأدباء في غزة.. أهدافٌ للصواريخ وأصواتٌ لا تُسكتها الحرب

09-02-2025 03:51 PM

printIcon

أخبار اليوم - في الحروب، لا تُقصف المدن والمنازل وحدها، بل تُقصف أيضًا الأرواح التي تحاول أن تحفظ الذاكرة وتوثّق الألم.

في غزة، لم يكن الأدباء والشعراء بمنأى عن نيران الاحتلال، فقد طالتهم الغارات كما طالت غيرهم، لكن كلماتهم بقيت شاهدة، وأبياتهم ظلت صامدة وسط الركام.

استشهد العشرات منهم، وهُدمت المكتبات والمراكز الثقافية، لكن من تبقى منهم ما زال يكتب، وما زال ينظم الشعر ليمنح الناس بارقة أمل وسط الدمار.

في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وقف الشاعر باسل أبو الشيخ أمام مجموعة من النازحين، يقرأ أبياتًا من قصيدته التي يقول فيها: "القيد أدمى خاطري لا معصمي.. والليل أرق ناظري كالأنجم.. لا الدمع كفى ولا الدماء.. وما عدت أعرف سال دمعي أم دمي".

قوبلت كلماته بتصفيق حار من الحاضرين، الذين وجدوا في شعره صوتًا يعبر عن مأساتهم.

لم يكن أبو الشيخ مجرد شاعر يروي الألم، بل كان هو نفسه أحد ضحاياه. اعتقله جيش الاحتلال في 12 ديسمبر 2023 أثناء اجتياح شمال قطاع غزة، وقضى أربعة أشهر في سجون الاحتلال قبل أن يُفرج عنه إلى الجنوب قسرًا، محرومًا من العودة إلى عائلته. اليوم، يعيش وحده في خيمة، يكتب شعره على ضوء الشموع، منتظرًا أن تنتهي الحرب ليعود إلى أبنائه.

يقول أبو الشيخ لصحيفة "فلسطين": "الأدب هو آخر ما تبقى لنا. نحن نكتب لنحيا، ونُلقي الشعر لنزرع الأمل في نفوس من حولنا".

شعراء بين الأنقاض

كانت الأمسية الشعرية التي نظّمها أبو الشيخ برفقة عدد من الشعراء في المخيم استجابة لطلب النازحين، الذين وجدوا فيها متنفسًا وسط أجواء الحرب القاتمة. عزام الريس (28 عامًا)، وهو نازح حضر الأمسية، قال لصحيفة "فلسطين": "استمتعنا كثيرًا بهذه اللحظات. أحد الشعراء كتب عن الحنين لشمال غزة، وآخر عن معاناة الحرب، بينما ألقى ثالث قصيدة غزلية تُذكرنا بالحياة التي افتقدناها".

أحمد مقداد، منسق الأمسية، أوضح أن الحرب فرّقت الشعراء كما فرّقت العائلات، وحوّلتهم إلى نازحين في أماكن متفرقة. لكنه تمكن من جمع بعضهم مجددًا لتنظيم هذه الفعالية، في محاولة لإحياء المشهد الأدبي الذي دُمّر بفعل الحرب.

استهداف ممنهج للأدباء

لم تكن الحرب على غزة مجرد قصف وقتل، بل كانت أيضًا حربًا على الذاكرة والثقافة. وفقًا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة الثقافة، قتلت دولة الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 نحو 45 شاعرًا وأديبًا وفنانًا.

من بين هؤلاء، الشاعرة والكاتبة هبة أبو ندى، التي كانت صوتًا بارزًا في الأدب الفلسطيني الحديث. نالت عدة جوائز أدبية، أبرزها جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2017 عن روايتها "الأوكسجين ليس للموتى".

خلال الحرب، سخّرت قلمها لتوثيق المجازر، حتى باتت منشوراتها من الأكثر انتشارًا وتأثيرًا. في آخر ما كتبته على صفحتها في "فيسبوك" بتاريخ 20 أكتوبر 2023، قالت: "نحن في غزة عند الله بين شهيد وشاهد على التحرير، وكلنا ننتظر أين سنكون. كلنا ننتظر".

بعد ساعات من نشر هذه الكلمات، استُهدفت بغارة إسرائيلية قضت عليها مع عائلتها.

كذلك، اغتيل الكاتب د. رفعت العرعير، أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة، في غارة جوية على المدينة في ديسمبر 2023، بعد أسابيع من تلقيه تهديدات بالقتل من حسابات إسرائيلية عبر الإنترنت. في الأيام التي سبقت اغتياله، كان العرعير قد حقق إنجازًا استثنائيًا بروايته "إذا كان لا بد أن أموت"، التي أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا على المستوى الوطني الأمريكي في ديسمبر الماضي.

تدمير المراكز الثقافية

لم يتوقف الاستهداف عند الأفراد، بل طال المؤسسات الثقافية أيضًا. التقرير المشترك بين الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة الثقافة كشف عن تدمير 32 مركزًا ثقافيًا، و12 متحفًا، وفقدان أكثر من 2100 قطعة تراثية، فضلًا عن قصف دور نشر ومكتبات عامة، ومواقع أثرية.

رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قال لصحيفة "فلسطين" إن استهداف الأدباء والأكاديميين جزء من سياسة إسرائيلية ممنهجة للقضاء على الروح الثقافية للشعب الفلسطيني.

وأضاف: "الشعر والأدب من أبرز أدوات المقاومة، و(إسرائيل) تدرك ذلك جيدًا، لذا تسعى إلى إسكات كل صوت فلسطيني يحاول توثيق الحقيقة".

ورغم كل هذا الاستهداف، لا يزال الأدباء في غزة يكتبون. بعضهم في الخيام، وبعضهم في منازلهم المدمرة، وبعضهم على ضوء القنابل المضيئة. الحرب لم تسكتهم، بل منحتهم لغةً جديدة، حبرها الدمع، وورقها الركام، وعنوانها غزة.

فلسطين أون لاين