انشغل العالم وانشغلنا نحن بالقنبلة التي ألقاها الرئيس الاميركي ترمب من العدم حول مشروعه العقاري في غزة.
أنها ألاعيب الإلهاء ربما يخفي شيء آخر، لكنها نجحت، حيث لم تأخذ تصريحاته حوّل بنما والمكسيك وكندا وجرينلاند ذات المفاعيل، لا لسبب فقط لان اسرائيل في المنتصف ولأن العالم كان مشدوها ولا يزال بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها اسرائيل في غزة وها هي قد بدأت ذات الأفعال في الضفة.
يريد ترمب اخراج شعب كامل ليس من غزة فحسب بل ايضاً من الضفة الغربية لتكون أرض خالصة لاسرائيل بعد أن يمول غزة إلى منتجع بأموال العرب وربما رجال الأعمال الاميركيين والأوروبيين.
هذه ليست ترهات إنما هي حلم أميركي يستكمل ما طرحته إدارة بايدن الراحلة.
في المنصف اسرائيل لكن الدائرة الأوسع هي الصين وهي الشغل الشاغل للسياسات الاميركية.
كانت الولايات المتحدة طرحت مشروع
الممر الاقتصادي الكبير الذي يربط آسيا بأوروبا عبر الشرق الأوسط وفي الخرائط ذلك المعبر الضيق غزة.
هذا هو السؤال الكبير الذي يمكن ان تفسره تصريحات الإلهاء الأميركية لطرح مثل هذا المشروع الذي تأجل الحديث عنه بسبب الحرب على غزة لكنها لم تنهه.
إن الدعم الأميركي غير المسبوق لإسرائيل في حربها على الشعب الفلسطيني وضمان تفوقها العسكري والاقتصادي والتقني في المنطقة ليس مرهونا فقط بالحالة الآنية، فلم يكن الغرب وفي المقدمة منه الولايات المتحدة يمتاز بتخطيط محدود زمنيا ولا مكانيا، وهو ما يقودنا الى التذكير ببداية السنوات المئة الاولى التي تلت انتهاء عقود وعهود اتفاقيات وخطط السنوات المئة التي تلت الحرب العالمية الثانية وتوجت بحقبة الاستعمار ونهوض الولايات المتحدة كقوة عظمى وولادة اسرائيل.
إن حالة الاندماج الأميركي الإسرائيلي لا مثيل لها كما نراها اليوم، هو اندماج كامل متلاصق في المستقبل والمصير الذي تضحي فيه الولايات المتحدة بسمعتها كداعية للديمقراطية وحقوق الانسان في مواجهة العالم بما فيه عدد لا باس فيه من اوروبا من أجل حماية إسرائيل ككيان ودور وفكرة ومشروع.
لا نغفل أن التنافس الصيني الأميركي كان سبباً في طرح المشروع الأميركي لربط الهند بالشرق الأوسط بأوروبا، لكن يجب أن لا نغفل أيضاً أن إسرائيل هي مركزه ومحوره كما تريد الولايات المتحدة، ويجب أن لا نغفل أن إسرائيل هي المحور الذي سيربط آسيا بأوروبا في هذا المشروع الذي سيمرر خدمات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والغاز والنفط وسيذيب الفوارق الثقافية والتاريخية والحضارية والدينية.
صحيح أن المشروع يأتي رداً مباشراً على المشروع الصيني «الحزام والطريق». ويعيد للأذهان الحرب الباردة. ولكن المشروع هو أيضاً يكفل دمج إسرائيل بالمنطقة بل وجعلها أساساً فيها لكن بأدوات اقتصادية.
لكن هذا المشروع لا يواجه فقط عقبات اقتصادية بل هو يواجه أيضاً عقبات سياسية تعيق شرط إدماج إسرائيل بالمنطقة، فبعد الحرب على غزة لن ينجح هذا الدمج إلا بقبول إسرائيل منح الشعب الفلسطيني دولة من غير المعروف شكلها ونوعها وسيادتها وحدودها، لكنه في نهاية المطاف سيكون شرطا لتمرير المشروع وضمان أن تساهم في تمويله دول الشرق الأوسط الثرية.
المشروع ليس أول المشاريع الأميركية التي لم تكتمل في المنطقة لكنه لن يكون آخر المحاولات.
لن أطالب بعدم الانشغال بملهاة ترمب بل يجب أن ننظر إلى الصورة الكاملة ويجب حشد الرأي العام الدولي حوّل هذه الدائرة وفي نهاية المطاف ما من سلاح يبدد المخاوف ويحيل ملهاة ترمب إلى أضحوكة سوى صمود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وكل فلسطين التاريخية.
qadmaniisam@yahoo.com