سهم محمد العبادي
دولة الرئيس، صباح الخير… أو مساء القهر، لا فرق!
قبل أكثر من عام ونصف، تبرع نادي روتاري الخيري بجهاز تخطيط قلب لمركز صحي يرقا، هدية كريمة كان من المفترض أن تُحدث فرقًا، أن تُنقذ حياة، أن تختصر المسافات والزمن عن مريض يرتجف قلبه في لحظة ضياع. لكن الجهاز يا دولة الرئيس لم يصل بعد إلى مريض واحد، لم يلتقط إشارة قلب واحدة، لم يُشغَّل، لم يُمسح عنه الغبار حتى!
الجهاز يقبع هناك، عند أول غرفة على اليسار، فوق الرف الثاني، داخل كرتونة بنية كأنها صندوق أسرار محرم فتحه! لم يلمسه أحد، لم يجربه أحد، لم يطلب أحد من الكادر الصحي أن يتدرب عليه، وكأنه قطعة ديكور أو أثاث زائد في مستودع بيروقراطي مُغلق.
دولة الرئيس، مركز صحي يرقا يخدم آلاف المواطنين من يرقا ووادي شعيب، والمفارقة أن أغلب الحالات التي يُشتبه فيها بنوبة قلبية، لا يتم فحصها بالجهاز المترب على الرف، بل يتم استدعاء الدفاع المدني لنقل المريض إلى مستشفى السلط، وفي حال إصابة أحدهم بنوبة قلبية، فلا يصل المستشفى إلا ونحن على ثقة أن هذا المشوار الأخير… لا رجعة منه إلا إلى القبر.
هل تعرف يا دولة الرئيس معنى أن يتأخر تشخيص أزمة قلبية لدقائق؟ تلك الدقائق القليلة قد تكون الفرق بين الحياة والموت، بين طفل يبقى بأحضان والده أو يُيَتَّم فجأة، بين أم تُحضّر الغداء لأطفالها أو تُحمل على الأكتاف.
السؤال الكبير: لماذا لم يُشغل الجهاز؟ لماذا لم يتم إدخاله في عهدة المركز؟ لماذا لم يُنسب أحد من الكوادر الطبية لأخذ دورة عليه؟ هل المسألة تعنت إداري أم إهمال معتاد أم أننا أصبحنا نتفنن في تعطيل ما يُصلح حال المواطن؟
دولة الرئيس، الأمر ليس مجرد جهاز، بل قضية حياة وموت. المواطن الأردني لا يطلب الكثير، فقط أن لا يكون رقمًا في طابور الإهمال. إن كان هذا الجهاز قد جاء كتبرع ولم يُستخدم، فماذا عن باقي المعدات التي اشتُريت من المال العام؟
الأمر يحتاج إلى قرار، إلى تحقيق، إلى مساءلة… لا نريد بعد عام آخر أن نكتب مقالًا جديدًا بعنوان: "جهاز تخطيط القلب… ما زال على الرف الثاني!"
وبالمناسبة، إن قررت زيارة يرقا، فلا تحتاج إلى "لوكيشن"، فالقلب وحده يحملك إلى قرية العسكر، جارة عيرا، أيقونة الكرامة وكاتبة التاريخ. فقط أَتِ بحلٍّ، ومرّ على الغرفة الأولى على اليسار، هناك على الرف الثاني… ستجد جهازًا ينتظر أن ينبض بالحياة، كما ينتظر الناس هنا أن يشعروا أنهم أحياء!
وجيرة الله ع المعازيب.