بقلم: د. علي آشتيان المدادحة
تقوم الحكومات بدورها بمختلف وظائفها، من خلال تهيئة الأموال اللازمة لذلك. وهي تحصل عليها من أملاكها العامة. وإما بطريقة الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة والقروض، وإذا لم توف السبل السابقة، فإنها تلجأ إلى التضخم وهو قرار غير محمود لما يؤدي إلى عدم الاستقرار في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، ولتجنب ذلك، تلجأ إلى القروض الداخلية، من خلال إصدار أذونات الخزينة أو إصدار السندات، أو القروض الخارجية. وبعد أن تتجمع لديها الأموال السابقة، تعود لتنفقها وفقا لسياستها المرسومة، فهنالك جانبان لنشاط الحكومة، جانب الحصول على الأموال، وجانب الإنفاق.
وعلى ضوء ذلك، فتنقص دخول بعض الأفراد من جهة بمقدار ما تحصل عليه الحكومة، وتزداد دخول البعض الآخر بمقدار ما تنفقه، من نفقات جارية ورأسمالية، فهنالك من الجانب الأول عناصر التسرب، وفي الجانب الآخر هنالك عناصر الإضافات.
فلو تتبعنا مجرى الدخل منذ مصدره الناتج القومي الإجمالي، حتى يصل إلى صاحبه خال من كل شائبة جاهز للتصرف فيه لاستطعنا تحديد عناصر التسرب وعناصر الإضافات كالآتي: -
أولا: عناصر التسرب وهي تشمل: -
استهلاك رأس المال.
ضرائب غير مباشرة.
أرباح غير موزعة.
ضرائب على أرباح الشركات.
ضرائب الضمان الاجتماعي.
الضرائب الشخصية.
ثانيا: عناصر الإضافات وتتكون من.
دفوع تحويلية حكومية
دفوع فوائد القروض الحكومية.
وبعد أن تخلى النظام الدولي عن اتفاقية بريتون وودز ونظام أسعار الصرف الثابتة التي اتفق العالم عليها بعد الحرب العالمية الثانية. كان يعني فقدان الانضباط المالي والنقدي الدولي. فقد فتح الباب أمام التوسع الكبير في الديون الخاصة والقومية والدولية التي حدثت في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين. فبدون أسعار صرف ثابتة، لم تعد هنالك أي ضوابط خارجية للسلوك القومي، وكنتيجة لذلك ازداد عدم استقرار النظام المالي والنقدي، وصار التهديد بانهيار هذا النظام موضع الاهتمام الرئيسي للاقتصاد السياسي الدولي، وصار خطر التضخم العالمي ملازما للنظام نفسه. وكان من نتائجها أزمة النظام المالي العالمي عام 2008 وما تلاها من أزمات اقتصادية إلى هذه الأيام، وبدأ التفكير بالزعامة الجماعية بدل الفردية. في إدارة السياسات المالية والنقدية في الاقتصادات الدولية.
ونتيجة لعدم التوازن بين أدوات السياسات المالية والنقدية والاقتصاد الكلي، من خلال فرض الضرائب بكافة أشكالها، والتي فاقت قدرة الاقتصاد الدولي عليها، والتي لم تستطع وحدها تغطية النفقات الحكومات لتقوم بوظائفها المتعددة، زادت الاقتراض الداخلي والخارجي لكي تقوم الحكومات بوظائفها من خلال عناصر التسرب والإضافات في الناتج المحلي حسب تكاليف عوامل الإنتاج والدخل الممكن التصرف به.
وفي هذه الأيام لعدم قدرة الضرائب بكافة أشكالها التي لم تغطي النفقات العامة الحكومة، فقد تلجأ الحكومات إلى الاقتراض الداخلي، والذي يعتبر إحدى أدوات السياسة المالية لإعادة توزيع الدخل، بدلا من إصدار أوراق نقدية من دون غطاء وما تؤدي إليه من ركود تضخمي غير محمود في السياسات المالية والنقدية، وكما حصل ذلك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية من فقدان غالبية العملات العالمية قدرتها على الشراء، وكان من نتائجها التذبذبات الحادة في الاقتصادات الدولية.
وفي الأردن وحسب تقرير البنك المركزي الأردني لعام 2023، فإن حجم الدين العام قد بلغ حوالي ثمانية وأربعين مليار دولار وبنسبة%92 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، نسبة الدين الداخلي حوالي 60% منه، والذي أيضا يعتبر من أدوات السياسة المالية غير المحمودة؛ لأن له تكاليف من خلال دفع الفوائد المترتبة عليه إلى المقرضين، ولكنه بالوقت نفسه تأثيره محدود جداً على ميزان المدفوعات والاحتياطات من العملات الأجنبية، كما هو الحال في القروض الخارجية، والتي تأثيرها كبير وسلبي على الاحتياطات الأجنبية وخاصة في حال ارتفاع نسبته من الناتج المحلي الإجمالي كما حصل في عام 1989، أن تجاوزت نسبته أكثر من 120% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة وما أدى ذلك إلى تخفيض قيمة الدينار الأردني مقابل الدولار من (2,8) لكل دينار إلى (1,3) دولار وبنسبة حوالي%54 من قيمته الشرائية، إلا أنه بالوقت نفسه أقل حدة وبكثير من خلال إصدار أوراق مالية من دون غطاء، وأيضا له فوائد على الدخل الممكن التصرف به من خلال إعادة توزيعه على المواطنين وخاصة أصحاب الدخول المحدودة المتوسطة والمتدنية. ولكن المحرك الرئيسي إلى زيادة الدخل حسب عوامل الإنتاج أو الدخل الممكن التصرف به بعد طرح عناصر التسرب والإضافة السابق ذكرها. هو الاستثمار الذي يعتبر العمود الفقري للنمو والتنمية الشاملة في اقتصادات الدول، وخلاف ذلك نبقى نحوم في عنق الزجاجة من دون أن نجتازها إلى مرحلة الانطلاق كما حققت ذلك الدول الناشئة في العالم.