أحمد الشرع : نعد بانتخابات رئاسية وحكومة “ديمقراطية”

mainThumb
أحمد الشرع : نعد بانتخابات رئاسية وحكومة “ديمقراطية”

04-02-2025 11:08 AM

printIcon

أخبار اليوم - نشرت مجلة “إيكونوميست” مقابلة مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بعنوان “من متمرد إلى حاكم: أمير حرب، جهادي أم باني أمة”، فبعد 48 ساعة من تعيينه رئيسا لسوريا في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، جلس الشرع في أول مقابلة صحافية مع “إيكونوميست” وقدّم رؤيته لإعادة بناء الدولة السورية المحطمة والمتصدعة والمفلسة.


وحدد زعيم تنظيم القاعدة السابق في سوريا المعروف سابقا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني جدولا زمنيا لأخذ سوريا في “اتجاه” الديمقراطية، ووعد بإجراء انتخابات رئاسية.

وقد عبر الكثيرون في الخارج أن يمثل صعوده إلى السلطة تحولا استراتيجيا لسوريا بعيدا عن تأثير إيران وروسيا وعودة إلى حظيرة الغرب.

وفي الواقع، تحدث الشرع بشدة عن الوجود العسكري “غير القانوني” لأمريكا في سوريا، ورحب بالمفاوضات مع روسيا بشأن قواعدها العسكرية، وحذر إسرائيل من أن تقدمها إلى سوريا منذ سقوط نظام الأسد “سيسبب الكثير من المتاعب في المستقبل”.

ولاحظت المجلة أن الشرع لديه طريقته في إرضاء الجميع، فعندما أعلن عن رئاسته قبل ليلتين، ارتدى ملابس عسكرية أثناء وقوفه أمام زعماء المعارضة المسلحة. وفي مساء اليوم التالي تحدث إلى السوريين بصفته مدنيا يرتدي بدلة سوداء وربطة عنق خضراء. وفي مقابلته مع مجلة “إيكونوميست” اختار مظهرا عصريا: سترة بلون كريم غير رسمية فوق قميص أسود بأزرار حتى الرقبة وبنطلون ضيق، وبدا وكأنه متوجه لقضاء ليلة الجمعة في المدينة.

ويبدو أنه منشغل بصورته. وقد ذكر ملابسه ثلاث مرات، ربما لأنه يعلم أن المراقبين سوف يقرؤون الكثير عنها. وبعيدا عن مظهره وملابسه تقول المجلة إنه تحدث بنبرة هادئة تخاطب الجميع، لكن التغيرات المستمرة تجعل من الصعب الحكم على رجل خطط للتفجيرات الانتحارية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، وقاد تنظيم القاعدة في سوريا. ورغم تنصيبه رئيسا مؤقتا، فإن رؤيته هي طويلة الأمد، فقد تم تأجيل العديد من مشاريعه، مثل الدستور والانتخابات، إلى “ثلاث أو أربع سنوات” في المستقبل. وفي الوقت نفسه، فهو عازم على تعزيز السلطة التي استولى عليها.

والسؤال الأول هو حول القدرة، فهو يريد إعادة إنشاء سلطة مركزية في سوريا المفككة. و باستثناء الأكراد، يزعم أنه نجح في تأمين موافقة “جميع” الجماعات المسلحة في سوريا للانضمام إلى جيش سوري جديد وموحد. ويقول إن جميع الميليشيات، بما في ذلك ميليشياته ــ هيئة تحرير الشام ــ قد تم حلها. ويضيف أن “أي شخص يحتفظ بسلاح خارج سيطرة الدولة” سوف يكون عرضة لـ”تدابير” لم يحددها.

واستبعد الشرع أي ترتيب فيدرالي للتعامل مع المعارضة الكردية. ولكن المجلة تعلق قائلة إن صورة الرجل القوي كذبها غياب موظفي القصر، فلم يكن هناك أحد قريب لتقديم القهوة، ولم يكن هناك سوى شخص واحد وصل حديثا إلى البلاد لأول مرة للتعامل مع الاتصالات. وجلس وزير خارجيته، وهو زميله الجهادي السابق إلى جانبه حيث وجه اللقاء.

وعلى الأرض يملك الشرع قوة من 30,000 رجل تعمل فوق طاقتها. وكما قال: “فهناك مساحة واسعة لا تزال خارج سيطرة الدولة السورية”. كما لم يظهر أي من قادة الجماعات المسلحة الذين انضموا إلى حفل تنصيبه وهو يصفق. وقال قائد جماعة مسلحة في الجنوب “لقد قدمنا التضحيات أيضا ولعقد”. وكان القيادي غاضبا لأن الشرع سيطر على ما نظر إليه جهدا جماعيا للإطاحة بالأسد. وتسيطر الميليشيات المتنافسة على معظم حدود البلاد.

ويتردد العديد من زعمائها، الذين كان بعضهم ضباطا في الجيش السوري سابقا في تسليم أسلحتهم أو مناطقهم “إقطاعياتهم” أو قياداتهم. ولم يحدد وزير الدفاع بعد موعدا نهائيا لهم للقيام بذلك. ويرفض الأكراد، الذين يسيطرون على حقول النفط الرئيسية في سوريا والأراضي الزراعية والسد الذي يغذي معظم الكهرباء في شرق البلاد، الاعتراف بحكمه.

وعندما سئل عن مفاوضاته مع الأكراد، أجاب الشرع: “ليس بهذا القدر من التفاؤل”. ويكافح الشرع أيضا للتعامل مع تجاوزات الجهاديين الذين شكلوا قاعدته حتى الآن، مع أنه تم تجنب حمام دم في الوقت الحالي.

وتقول المجلة إن وزارة الإعلام قيدت وصول الصحافيين الأجانب إلى المحافظات الساحلية وحمص، حيث تتزايد عمليات القتل الانتقامية ضد العلويين. وفي حديثه عن عودة تنظيم الدولة الإسلامية، رفض الشرع الحديث عن عودته من جديد، ووصف التقارير عن هذه العودة بأنها “مبالغة كبيرة”. ولكنه يعترف بأن قواته أحبطت “العديد من خطط للهجمات” منذ توليه السلطة. ويعتقد البعض أن خلايا تنظيم الدولة الإسلامية تعود إلى دمشق ومدن أخرى، وباتت تستوعب المعارضة المتزايدة.

وبعد سؤال القدرة، هناك السؤال الثاني حول استعداد الشرع للوفاء بوعوده أو على الأقل سيحاول الوفاء بها.

وفي المقابلة مع المجلة استخدم الشرع كلمة “ديمقراطية” ولأول مرة منذ توليه السلطة. وقال “لو كانت الديمقراطية تعني أن الناس يختارون من سيحكمهم ومن يمثلهم في البرلمان”، فـ “عند ذلك، نعم، سوريا تسير بذلك الاتجاه”. ووعد باستبدال حكومته المؤقتة التي يهيمن عليها الموالون له من إدلب وخلال شهر، وتقديم “حكومة واسعة ومتنوعة تشارك فيها كل مكونات المجتمع”.

وقال إن الوزراء والأعضاء في البرلمان الجديد سيتم اختيارهم بناء على “الكفاءة وليس الطائفة أو الدين”، بشكل يؤشر أن هناك تعيينات من غير السنة في الحكومة.
كما ووعد بتنظيم “انتخابات حرة ونزيهة”، وإكمال كتابة الدستور مع الأمم المتحدة بعد “3 أو أربع سنوات”. ووعد الشرع لأول مرة بانتخابات رئاسية.

إلا أن الشرع يتعامل مع عدد من القواعد والدوائر بمن فيها قاعدته الجهادية وأغلبية سنية عربية محافظة إلى حد كبير. وإذا حرمهم من غنائم الحرب والدولة الإسلامية التي وعد بها عندما كان يدير إدلب، فإنه يخاطر بردة فعل عنيفة. فقد حول غرفة جانبية في القصر الرئاسي إلى غرفة للصلاة وأزال منافض السجائر من طاولات القهوة، بما يتماشى مع رؤيته المتشددة للإسلام حسب تعليق المجلة.

وفي المقابلة، أحال مسألة تطبيق الشريعة إلى الهيئات التي عينها. ولو وافقت الحكومة المؤقتة على تطبيق الشريعة “فدوري هو إنفاذها، وإن لم توافق عليها فدوري هو إنفاذها أيضا”. “. وفي الوقت الحالي، قال إن المحاكم ستبت في الكم الهائل من القضايا القانونية المتأخرة وفقا للقانون المدني القديم. أما تشكيل الأحزاب السياسية فهو مسألة أخرى يتعين على اللجنة الدستورية أن تقررها.

وقالت المجلة إن الشرع لم يظهر التزاما فيما إذا كانت النساء سيحصلن على حقوق متساوية ويتمكن من الوصول إلى السلطة. لكنه قال إن النساء سيجدن “سوق عمل واسعة” لكي يستوعبهن.

وترى المجلة أن تعهدات الشرع لن ترضي على الأرجح الأقليات العرقية، وتحديدا العلويين الذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في ظل حكم آل الأسد. وتقول المجلة إن الشرع عندما يتحدث عن الديمقراطية، يشك كثيرون في أنه يعني حكم الأغلبية العربية السنية و(يقول: “في منطقتنا هناك تعريفات مختلفة للديمقراطية”). وقد تبدو الانتخابات الرئاسية أشبه باستفتاءات أنظمة أمنية عربية أخرى. ففي نهاية المطاف، ظلت سوريا دكتاتورية طيلة ثلاث سنوات منذ الاستقلال عام 1946.

والواقع أن الشرع عازم على تدمير ما تبقى من الدولة المتعبة التي ورثها ولكنها لا تزال قادرة على العمل. وأعلن عن حل حزب البعث العربي الإشتراكي وأجهزة الأمن ومعظم جهاز الخدمة المدنية في ظل آل الأسد، ما زاد من قلق 1.3 مليون موظفا وعائلاتهم. وكما حدث مع اجتثاث البعث في العراق هناك مخاوف من زيادة التوترات الطائفية.

لكن أهم تحد للشرع هو الاقتصاد. وينقطع التيار الكهربائي ساعة في اليوم. كما أن حجم إعادة الإعمار لا يمكن تخيله، وتعاني البلاد من أزمة سيولة هائلة (ترجع حسب المصرفيين إلى تأخير شحنات العملة من روسيا). وتفتقر الدولة إلى النقد اللازم لدفع الرواتب حتى لو كانت منخفضة وبشكل بائس. ويحذر الشرع قائلا: “بدون التنمية الاقتصادية سوف نعود إلى حالة من الفوضى”.

وتعلق المجلة أن التعافي الاقتصادي لا يأتي إلا من الخارج. وفي 30 يناير/ كانون الثاني الماضي رحبت سوريا بأمير قطر الذي كان أول رئيس دولة يزور سوريا بعد سقوط الأسد. وفي 2 فبراير/ شباط الجاري قام بأول زيارة له إلى الخارج وتوجه إلى السعودية التي وُلد فيها. وقبل الزيارة، أشار الشرع إلى كلا البلدين باعتبارهما مستثمرين محتملين في “مشاريع كبيرة”.

لكنه يحتاج أيضا إلى أمريكا، التي قال إن عقوباتها تشكل “مخاطر كبيرة” على خططه: “لقد عانى الشعب السوري بما فيه الكفاية”، على حد تعبيره.

وأشاد الشرع بدونالد ترامب “لسعيه إلى السلام في المنطقة”، وتحدث عن استعادة العلاقات الدبلوماسية “في الأيام المقبلة”. كما حاول الشرع تحسين مكانة سوريا الإقليمية من خلال التعهد بوقف تصدير الكبتاغون، وهو أمفيتامين كان يتم إنتاجه بكميات كبيرة في سوريا في عهد الأسد، وتعهد بوضع المقاتلين الأجانب تحت سيطرة الحكومة.

وقال إنه “تعهد” لتركيا بأن سوريا لن تكون قاعدة لوحدات حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، والتي تقوم بدعم إدارة الأكراد في شمال- شرق سوريا. ولكن الشرع يحمل على كاهله عبء تصنيفه وحركته كحركة إرهابية. واحتج قائلا: “وضعي هو رئيس سوريا، وليس هيئة تحرير الشام”. ولكن كثيرين في المنطقة غاضبون من تعيينه لكوادر من هيئة تحرير الشام في مناصب عليا، وتعيين جهاديين أجانب في مناصب عسكرية. وهناك دلائل تشير إلى أن الإحباط قد يؤثر سلبا على مغازلته الأولية للغرب.

فقد قارن بين استعداد روسيا للتفاوض على صفقة بشأن قواعدها العسكرية وبين تردد أمريكا، ووصف وجود القوات الأمريكية في سوريا بأنه “غير قانوني”. وقال أيضا إن “على إسرائيل الانسحاب” من الأراضي التي احتلتها أبعد من خطوط الهدنة في عام 1974 وبعد سقوط الأسد. وقال إن تهجير إسرائيل للفلسطينيين هي “جريمة كبرى”.

وعندما سئل عما إذا كان مستعدا لاتباع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، إذا قام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أجاب: “في الواقع نريد السلام مع جميع الأطراف”. لكنه أشار إلى أنه طالما احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان، فإن أي اتفاق سيكون سابقا لأوانه. وفي كل الأحوال سيتطلب “موافقة واسعة من الرأي العام”.

وفي الوقت الحالي وتحت حكم الشرع، تعيش سوريا أهدأ فترة منذ الربيع العربي عام 2011. كما وتتنفس البلاد بحرية بعد نصف قرن من الحكم الاستبدادي لآل الأسد. ولكن أمام الرئيس الجديد طريق طويل ليقطعه قبل أن يثبت أنه يستوعب الجميع وأن نظرته الجهادية للعالم أصبحت وراء ظهره، وأنه يمثل الأمل الأفضل لسوريا لكي تخط بداية جديدة.