أخبار اليوم - يشكّل تسارع معدل ذوبان نهر ثويتس الجليدي في القارة القطبية الجنوبية أحد أخطر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض في العصر الحديث، ففي ظِل ذوبان نحو 50 مليار طن من الجليد سنوياً، يتزايد تهديد ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل مقلق، ما يهدد بغمر العديد من المدن الساحلية الحيوية حول العالم.
وهذا التحول السريع في النهر الجليدي لا يمثل مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو مؤشر على خطورة التغيرات المناخية المستمرة التي تسهم في تدهور البيئة البحرية وتهدد الملايين من البشر، وبالتالي، فإن ما نشهده اليوم من تآكل سريع لثويتس هو جرس إنذار عالمي يتطلب استجابة عاجلة للحفاظ على التوازن البيئي وحماية المجتمعات المهددة.
نهر ثويتس الجليدي
يُعتبر نهر ثويتس الجليدي، المعروف أيضاً بـ«نهر يوم القيامة»، من أكبر الأنهار الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، حيث يبلغ عرضه نحو 120 كيلومتراً وعمقه في بعض المناطق يتجاوز 2,000 متر، يغطي مساحة تقارب 74,000 ميل مربع (نحو 191,660 كيلومتر مربع)، أي ما يقارب مساحة المملكة المتحدة.
معدل الذوبان الحالي
منذ عام 1992 حتى 2017، تراجع نهر ثويتس بمعدل يتراوح بين 0.6 إلى 1.2 ميل (1 إلى 2 كيلومتر) سنوياً، ما أدى إلى فقدان أكثر من 600 مليار طن من الجليد خلال تلك الفترة.
وهذا الفقدان أسهم بنحو 4% من الزيادة العالمية في مستوى سطح البحر.
التأثيرات المحتملة على مستوى سطح البحر
إذا ذاب نهر ثويتس بالكامل، يُتوقع أن يرفع مستوى سطح البحر العالمي بنحو 3.3 متر، هذا الارتفاع سيكون كافياً لإغراق مناطق واسعة من المدن الساحلية حول العالم، ما دفع العديد من الخبراء لإطلاق تحذيرات من اقتراب ذوبانه، إذ يفقد ثويتس سنوياً نحو 50 مليار طن من الجليد، كما أن هذا النهر الجليدي يحتوي على ما يكفي من المياه لرفع مستوى سطح البحر من 60 سم إلى أكثر من 3 أمتار.
وقال تيد سكامبوس، عالم الأبحاث الرئيسي في المعهد التعاوني لأبحاث العلوم البيئية (CIRES) ورئيس الاتحاد الدولي «يشكّل ثويتس تهديداً كبيراً على المدى القصير».
المدن المهددة
ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 3.3 متر سيؤثر بشكل كبير على العديد من المدن الساحلية العالمية، بما في ذلك، لندن في المملكة المتحدة، خاصة مناطق مثل وستمنستر وباترسي، وكاناري وارف ستكون معرضة للغمر.
ويهدد مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، متمثلة في أجزاء كبيرة من مانهاتن وبروكلين وكوينز، وشنغهاي الصينية، حيث إن مناطق واسعة من المدينة ستكون معرضة للخطر.
ومومباي في الهند، حيث المناطق الساحلية المنخفضة ستكون مهددة، وأيضاً سيدني في أستراليا، فالمناطق القريبة من الساحل قد تتأثر، إضافةً إلى ذلك، العديد من الجزر المنخفضة حول العالم ستكون معرضة لخطر الغمر الكامل.
المدن المهددة في الشرق الأوسط
يُشكّل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديداً كبيراً للعديد من المدن في الشرق الأوسط، خاصة تلك الواقعة على السواحل ومن بين أبرز المدن المهددة بالغرق، الإسكندرية في مصر، إذ تواجه المدينة التاريخية خطر ارتفاع مستوى سطح البحر بما يصل إلى 68 سم بحلول عام 2050، ما قد يؤدي إلى غمر أجزاء كبيرة منها وتآكل المناطق الساحلية.
كما يهدد ذوبان الجليد مدينة البصرة في العراق، نظراً لموقعها على نهر شط العرب، حيث تُعد البصرة عرضة لخطر الفيضانات مع ارتفاع مستوى مياه البحر، ما يهدد بنيتها التحتية ومواردها الطبيعية.
ومدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة، حيث يوجد قلق إزاء ارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة مع مشاريع التنمية الطموحة القريبة من الساحل.
وبيروت في لبنان، فقد أدى الضخ الزائد للمياه الجوفية إلى تسرب مياه البحر إلى المستودعات الجوفية أسفل المدينة، ما يزيد من مخاطر الغمر.
أسباب الذوبان السريع
تشير الدراسات إلى أن المياه الدافئة تتسلل تحت النهر الجليدي، ما يؤدي إلى ذوبانه من الأسفل، هذا التآكل السفلي يجعل النهر أكثر عرضة للانهيار، ويرى الباحثون أن الماء الدافئ تسبب في زيادة التشققات وتسارع الذوبان بشكل أكبر من المتوقع، وقالت بريتنى شميت عالمة الأرض بجامعة كورنيل إن هذه الطرق الجديدة لرصد النهر الجليدي تسمح لنا بفهم أن الأمر لا يقتصر فقط على مقدر الذوبان الذي يحدث، كما رصد العلماء صدوعاً في قاعدة النهر.
ووفقاً للخبراء فإن تغير المناخ وظاهرة النينيو أبرز أسباب بدء ذوبان نهر القيامة الجليدي، حيث يشهد نهران جليديان مهمان في غرب القارة القطبية الجنوبية أسرع ذوبان منذ 5000 عام، وفقاً لدراسة بحثية جديدة نُشرت في يونيو الماضي في المجلة العلمية Nature Geoscience، وهذه دراسة أجراها فريق من الباحثين الدوليين بقيادة جامعة ماين الأميركية، حيث قام أعضاؤها بفحص تاريخ الأنهار الجليدية في ثويتس وباين آيلاند على الطبقة الجليدية في غرب القطب الجنوبي.
كما تشكّل المياه الدافئة أيضاً تهديداً لِما يُسمى «منطقة التأريض»، وهي المنطقة التي يقع فيها النهر الجليدي في قاع البحر، ويستخدم بيتر ديفيس، عالم المحيطات الفيزيائي في هيئة المسح البريطانية لأنتاركتيكا، وفريقه، الماء الساخن لحفر ثقوب وصول من سطح الجرف الجليدي إلى تجويف المحيط، على عمق مئات الأمتار أدناه، لقد اكتشفوا أن مياه المحيط في منطقة الاتصال بالأرض، وفقاً للمعايير القطبية، دافئة ومالحة أيضاً، وهو ما أدى إلى إذابة الجرف الجليدي من الأسفل.
هذه التهديدات تستدعي اتخاذ تدابير عاجلة للحد من تأثيرات التغير المناخي وحماية هذه المدن وسكانها من المخاطر المحتملة.
استمرار ذوبان نهر ثويتس الجليدي بمعدلاته الحالية يشكّل تهديداً كبيراً للمدن الساحلية والبنية التحتية حول العالم، من الضروري اتخاذ تدابير عاجلة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والتخطيط للتكيف مع هذه التغيرات المحتملة لحماية المجتمعات المهددة.