صالح الشراب العبادي
تُجسد تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الأخيرة الموقف الأردني الثابت في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية وخاصة التصريحات الخطيرة التي صرح بها ترامب الساعية إلى فرض حلول تتعارض مع السيادة الأردنية والحقوق الفلسطينية. وقد جاء ردّ جلالته حاسمًا وقاطعًا برفض أي محاولات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية لا بد أن تُحل ضمن إطارها الصحيح، القائم على حل الدولتين، بعيدًا عن الحلول المؤقتة التي تأتي على حساب دول الجوار.
إن الموقف الأردني الرسمي، الذي عبّر عنه جلالة الملك في مناسبات متعددة، ينبع من ثوابت وطنية راسخة تُظهر إدراكًا عميقًا لتبعات أي تغيير ديموغرافي محتمل في المنطقة. فالأردن لطالما وقف إلى جانب الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، ويرى أن أي محاولات لفرض التهجير القسري او خلق نكبة جديدة لن ولن تسهم إلا في تعقيد المشهد الإقليمي وزيادة التوترات واستمرار التصعيد ومن ثم الانزلاق إلى أتون حرب لا يعرف عواقبها ..إلا انها حرب من اجل الحقوق ورفع الظلم وإنهاء الاغتصاب وتحرير القدس الشريف.
تأتي تصريحات جلالته في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط على الأردن ومصر ودول الجوار لقبول حلول مؤقتة تحمل في طياتها تداعيات استراتيجية خطيرة، إلا أن عمان تواصل العمل الدبلوماسي والسياسي بجهود حثيثة لصدّ هذه المحاولات، ولتأكيد موقفها الثابت في المحافل الدولية، كما هي القاهرة التي أعلنت رفضها القاطع للتهجير.
وفي سياق هذه التحديات، يتجلى الموقف الشعبي الأردني بتوافق تام مع توجهات القيادة الهاشمية المظفرة ، إذ عبّر الأردنيون عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي والقنوات الرسمية والغير رسمية عن رفضهم المطلق لأي مشاريع تستهدف تغيير الهوية الوطنية الأردنية أو المساس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. هذا الرفض الشعبي لا يقتصر على كونه موقفًا سياسيًا، بل يُجسد وعيًا وطنيًا عميقًا بأهمية الحفاظ على استقرار الأردن ودوره التاريخي في دعم القضية الفلسطينية.
من جهته، يبرز مجلس النواب الأردني كصوت شعبي داعم للموقف الرسمي، حيث أعلن النواب رفضهم القاطع لأي ضغوط دولية تُمارس على الأردن، مشددين على أن الأولوية ينبغي أن تتركز على دعم صمود الفلسطينيين في أرضهم، لا تهجيرهم منها.
تواصل الحكومة الأردنية، من جانبها، تنسيق جهودها مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية لتوضيح مخاطر أي محاولات تهدف إلى زعزعة التوازن الإقليمي، مؤكدة أن الأردن ليس بديلاً عن فلسطين، وأن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه غير قابلة للتفاوض أو المساومة، فالأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين، كلمة لا رجعة فيها ولا نقاش شاء من شاء وأبى من أبى .. وهذا متفق عليه وراسخ بين الشعبين الأردني والفلسطيني..
إن ثبات الأردن في مواجهة هذه التحديات لا يمكن فهمه بمعزل عن صمود أهل غزة، الذين أصبحوا نموذجًا يُحتذى في التمسك بالأرض والهوية رغم العدوان والحصار. لقد قدمت غزة للعالم درسًا في الصمود والتضحية، مجسدة إرادة الفلسطينيين في البقاء على أرضهم ورفض الرضوخ لأي مخططات تهدف إلى اقتلاعهم منها. ومن هذا الصمود تستلهم الشعوب العربية بشكل عام والشعب الأردني بشكل خاص الاصرار على رفض الحلول المفروضة والمأمولة والتي تفاعل معها اليمين المتطرف ، مؤكدة أن دعم صمود الفلسطينيين في وطنهم هو الخيار الوحيد القابل للتحقيق لا غيره .
وفي ظل هذه المعطيات، فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الأردن تعزيز تماسكه الداخلي والذي سيكون هو الصخرة التي ستتحطم عليها كل اوهام العدو للوطن البديل وعمليات التهجير المنوي تنفيذها ، وعلبه مواصلة جهوده الدبلوماسية لإفشال أي محاولات تهدف إلى تغيير المعادلة السياسية والديمغرافية في المنطقة ، وهذا يتطلب مواقف حقيقية واقعية مع خطاب إعلامي حازم واسع النطاق موصوم بالقوة والشدة والبدء بالاستعداد لما هو محتمل من حصار اقتصادي ووقف المساعدات .
بالرغم من جسامة التحديات، فإن الموقف الأردني، المستند إلى شرعية تاريخية ودولية وإرادة شعبية قوية، سيظل صمام الأمان الذي يحول دون تمرير أي مشاريع تتعارض مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمصلحة الوطنية الأردنية.