صالح الشراب العبادي
تُثير سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تساؤلات عديدة حول تناقض مواقفه فيما يتعلق بالهجرة والحقوق الدولية، فقد تبنى ترامب نهجًا صارمًا في منع الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، بينما يصرح ويدعم في الوقت ذاته سياسات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى دول أخرى مثل مصر والأردن. هذه الازدواجية تطرح تساؤلات حول مدى التزامه بالمبادئ التي يروج لها، مثل الديمقراطية والحرية، مقارنة بمصالحه السياسية والاستراتيجية.
لطالما اعتبر ترامب أن الهجرة غير الشرعية تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، وتؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي، ما دفعه إلى إصدار قرارات تنفيذية صارمة للحد منها، مثل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك. في المقابل، دعمه وتصريحاته لتهجير الفلسطينيين من غزة يعكس رؤيته لخدمة المصالح الإسرائيلية، حيث يعتبر أن تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها قد يسهم في تقليل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفقًا لرؤية التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وهو واهم جداً، ولا يعي ما تعنيه غزة والقدس والضفة وفلسطين إجمالاً للشعوب العربية قبل الشعب الفلسطيني البطل.
هذا التناقض يظهر كيف أن مواقف ترامب تُحدد بناءً على المصلحة السياسية، وليس المبادئ الثابتة، ولا يعلم أن الفلسطينيين باتوا أقرب إلى النصر منه إلى الهزيمة والتشريد الذي ترفضه رفضاً قاطعاً..
يتبنى ترامب خطابًا يقوم على الترويج للديمقراطية والحرية كقيم أساسية للسياسة الأمريكية، لكنه في الوقت ذاته دعم سياسات إسرائيل الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، متجاهلًا بذلك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. هذه الازدواجية تعكس كيفية توظيف المبادئ الأمريكية بشكل انتقائي، حيث تُطبق فقط في الحالات التي تخدم المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، بينما تُتَجَاهَل عندما تتعارض مع تحالفاتها الدولية.
في سياق آخر، شدد ترامب على ضرورة استرجاع حقوق أمريكا التاريخية، مثل مطالبته بإعادة النظر في معاهدة قناة بنما، والسعي لتعزيز النفوذ الأمريكي في خليج المكسيك. إلا أنه في الوقت ذاته يقف ضد أي جهود لاستعادة الفلسطينيين لحقوقهم التاريخية في أراضيهم. هذا التناقض يُبرز ازدواجية ترامب في التعامل مع الحقوق السيادية، حيث يؤمن بأحقية أمريكا في استرجاع مصالحها، لكنه ينكر هذا الحق على الشعوب الأخرى والشعب الفلسطيني تحديداً إذا تعارض مع مصالح واشنطن وحلفائها.
تمتاز سياسة ترامب الخارجية بالتدخل السافر في شؤون الدول الأخرى عبر فرض عقوبات اقتصادية وسياسية، أو من خلال دعم الأنظمة الحليفة لتحقيق مصالح بلاده، كما هو الحال في دعمه القوي لإسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط. وعلى النقيض من ذلك، كان ترامب شديد الحساسية تجاه أي محاولات للتدخل في الشأن الأمريكي، مؤكدًا دائمًا أن “أمريكا أولاً” يجب أن تكون السياسة الحاكمة للعلاقات الدولية. هذه السياسة تعكس تناقضًا صارخًا في طريقة تعامله مع الدول الأخرى مقارنة بتعامله مع الشأن الداخلي الأمريكي.
رغم إعلانه المتكرر عن رغبته في وقف الحروب “التي لا تنتهي”، إلا أن إدارة ترامب وافقت على صفقات أسلحة ضخمة، كان أبرزها تلك التي قدمت لإسرائيل، والتي شملت أسلحة متطورة تُستخدم في الصراع مع الفلسطينيين. هذه الازدواجية توضح كيف أن ترامب استخدم السلاح كأداة ضغط اقتصادي وسياسي لتعزيز العلاقات مع الحلفاء، في الوقت الذي كان يدعو فيه إلى الحد من التدخلات العسكرية الأمريكية الخارجية وتقليص التواجد العسكري الأمريكي الخارجي..
يتضح من خلال تحليل سياسات ترامب أن مقاربته قائمة على منطق المصالح الفورية والصفقات الاقتصادية أكثر من الالتزام بالمبادئ الثابتة. فتناقض مواقفه بين رفض الهجرة غير الشرعية في بلاده ودعمه لتهجير الفلسطينيين، وبين الدفاع عن حقوق أمريكا ورفض حقوق الشعوب الأخرى، يكشف عن رؤية براغماتية تخدم أهدافه السياسية بعيدًا عن أي التزام أخلاقي حقيقي بالمبادئ التي يدعي الدفاع عنها.
نذكر أنه خلال فترة رئاسته الأولى اتخذ ترامب سياسات منحازة لإسرائيل، متجاهلاً القرارات الدولية بشأن الحقوق الفلسطينية. عزز تحالفه مع إسرائيل، خاصة مع بنيامين نتنياهو، ودعم الاستيطان واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. اعتمد على دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل والجماعات الإنجيلية لتعزيز موقفه الانتخابي. طرح “صفقة القرن” التي منحت إسرائيل سيطرة واسعة على الضفة الغربية، وتجاهلت حل الدولتين. كما تبنى نهجًا معاديًا للمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وقلّص تمويل “الأونروا” للضغط على الفلسطينيين. تبنت سياسته مبدأ فرض الأمر الواقع بالقوة الاقتصادية والسياسية. جاءت هذه الخطوات ضمن استراتيجيته لتعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. تجاهلت إدارته الحقوق الفلسطينية، وشرّعت الإجراءات الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي. أدت هذه السياسات إلى تعقيد حل الدولتين وزيادة التوتر في المنطقة، كل هذه القرارات المنحازة إلى الكيان الصهيوني لم تواجه بشكل مباشر وقوي، وقد ضعفت هذه المواجهة عندما خسر ترامب أمام بايدن، وها هو الآن يستمر بقراراته السياسية والاقتصادية، ويهم من جديد في اتخاذ وإكمال تلك القرارات.
لمواجهة قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنحازة لإسرائيل، يجب اتخاذ إجراءات حاسمة ورافضة وفعالة ضد تصريحات ترامب وقراراته من قبل الأردن ومصر، وعلى الفلسطينيين التوحد فوراً ونبذ الفرقة والتلاحم والبدء بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، ويجب على الدول العربية والمجتمع الدولي اتخاذ خطوات فعالة.
يتعين على الأردن ومصر تكثيف الجهود الدبلوماسية والتنسيق مع جامعة الدول العربية لدعم الحقوق الفلسطينية. كما يجب تعزيز الضغوط الاقتصادية والسياسية عبر المحافل الدولية، وتقديم شكاوى إلى محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة.
على الدول العربية دعم المصالحة الفلسطينية وتكثيف الحملات الإعلامية لتفنيد الروايات الإسرائيلية، ويتعين على الأمم المتحدة فرض عقوبات على إسرائيل وتعزيز الدعم الإنساني للفلسطينيين.
أما الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى، فيجب أن تفرض قيودًا على المستوطنات، وتدعم حل الدولتين الذي هو الحل الأمثل للتهدئة وخفض التصعيد، ويجب أن يكون التحرك الجماعي المنسق ضرورياً لضمان الالتزام بالشرعية الدولية وحماية الحقوق الفلسطينية لمواجهة تصريحات ترامب، والتي من المحتمل أن تصبح قرارت، وها هو العدو الصهيوني من خلال اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو يلتقط هذه التصريحات، ويتفاعل معها وينفذها، بل بدأ بتنفيذها على أرض الواقع بدءاً من غزة إلى الضفة الغربية إلى لبنان وسوريا..
أخيرا ما يراه العالم الآن من عودة النازحين بالأفواج شدوا الرحال بالعودة إلى ديارهم التي من المحتمل أن لا يجدوا فيها مقومات الحياة، إلا أن الحياة هي تواجدهم، وتشبثهم بالصمود الأسطوري على أرضهم رافضين التهجير القسري والطوعي، وهذه بحد ذاتها رسالة إلى ترامب، وإلى العالم وإلى الشعوب العربية والإسلامية أنهم ثابتون مزروعون في أرضهم لن تلين لهم قناة، ولن يرتد لهم ساعد..
سلام يا شعب غزة العزة.. سلام أيها الأبطال الشجعان الذي قل نظيركم في العالم.