لا يجوز لأحد أن يزاود على أحد، الفلسطينيون أدرى بواقعهم وإمكانياتهم ، وأقدر على إفراز صمودهم ومقاومتهم ، وهم -لا غيرهم .
الأجدر بتوحيد صفوفهم ، وتحديد أولوياتهم ، لانتزاع حقوقهم من محتليهم .
الأردنيون، أيضا، لهم قضيتهم التي يعرفونها ، وأولويتهم حماية بلدهم ، والدفاع عن مصالح دولتهم ، فلسطين قضيتهم الثانية ، قدموا من أجلها ،على امتداد التاريخ ،ما يلزم من تضحيات وشهداء ، وتحملوا تبعات احتلالها ،وجاهزون دائما لفعل ما يجب أن يفعلوه، من أجل الأردن أولا ، ولمساعدة إخوانهم الفلسطينيين ثانيا .
حان الوقت لفهم هذه المعادلة ، والتذكير بها لأكثر من سبب، الأول : أننا أمام تطورات خطيرة ، على صعيد القضية الفلسطينية ، في مواجهة المشروع الإسرائيلي الذي يبدو انه اكتمل وباشر عمليات تصفية القضية، الثاني : أن هذه التطورات -غير المفاجئة - استدعت من بعض الأطراف وضع الأردن ،وحده، في المواجهة ، وتحميله مسؤولية ما حدث ،وما قد يحدث ، ثم نصبت مزادات للمزايدة على مواقفه ، ورفعت قائمة مطالب ثم ارادت أن تلزمه بها، وصلت إلى "فتح الحدود "، و"تجميع الفصائل" !
أما السبب الثالث فهو أن الذين رفعوا لافتة "المقاومة " باسم الأردن تعاملوا معه بمنطق الميليشيات ، لا بمنطق الدولة ، الأردن دولة تعرف إمكانياتها ، ولها حساباتها ، وتدرك حدود حركتها السياسية ، وخياراتها واضطراراتها ، دولة لا يمكن أن يتطابق سلوكها مع سلوك الفصائل والتنظيمات التي تقع تحت الاحتلال وواجبها أن تقاومه بكل الوسائل ، كما أن الأردن طرف في الصراع إلى جانب أطراف تتحمل هي الأخرى ، أو هكذا يفترض ، نتيجته ، ولا يجوز أن يحمّل الاردن وحده فوق طاقته .
ثمة سبب رابع : استدعاء التاريخ ،هنا ، ضروري جدا، ليس -فقط - لتحديد أين نضع اقدامنا ، في الحاضر والمستقبل ، ولا لكي لا نكرر الأخطاء التي وقعنا فيها ، وانتهت إلى خيبات وخسارات على صعيد بلدنا ، وإنما ،أيضا ، من أجل تصحيح اتجاه السكة ، ووضع الامور في نصابها ، للخروج نهائيا من بعض المعادلات التي ما زالت معلقة بلا حسم ، سواء على صعيد الهوية ، أو هواجس الجغرافيا و الديموغرافيا، والأهم قضية المواطنة والانتماء ، هذه التي لا يجوز أن تبقى أسيرة للمكاسب والأمزجة والثنائيات ، المواطنة التي يجب أن لا تخضع لأي اعتبار سوى "الاعتبار الوطني " ، بمعنى أن تكون مواطنا أردنيًا ( نقطة)
يبقى سبب خامس ، وهو أن ماكينة التشكيك بالمواقف الأردنية ، والتهوين من الدور الذي قام به الأردن ، وما يزال يقوم به دفاعا عن فلسطين، وعن مصالحه ، وبالنيابة ،أحيانا ، عن العرب، هذه الماكينة المدعومة سياسيا وإعلاميا ، بدأت تتحرك بقوة في هذه المرحلة بالذات ، تارة بهدف الضرب على عصب المجتمع والدولة معا لاستفزازهما ودفعهما للوقوع في الفخ الصهيوني ، وتارة أخرى للتغطية على فشل أو تقصير اطراف أخرى ، لا تريد أن تعترف بأخطائها ، او بانسحابها من ملف القضية بالكامل .
الفاعل الأهم في ملف" فلسطين" هو الفلسطينيون الذين مازالوا صامدين على ارضهم ، ورديفهم الأقرب هم الفلسطينيون في الشتات ، بما يملكونه من ثروات ونفوذ وإمكانيات للمساندة، فمن شان إنتفاضة ثالثة أن تقلب كل الأوراق على طاولة المحتل ، وتعيد العالم لمراجعة حساباته ، كما أنه قضية الاحتلال لا تنحصر ، فقط، في القدس والمقدسات -على أهميتها - فثمة استيطان يتوسع ويأكل ما بقي من أراض محتلة ، وثمة ملايين من اللاجئين من حقهم أن يعودوا ، ومحاولات لسلام اقتصادي يدمج الفلسطينيين بآلة الاحتلال يجب أن يواجه بالرفض والمقاطعة ، وتعاون وتنسيق امني ما زال قائما يجب ان يتوقف ، القرار هنا بيد الفلسطينيين، فهم يتحملون مسؤولية مواجهة ذلك اولا ،ويجب ان يتحركوا ، وعندها يمكن للدعم العربي، و الأردني تحديدا ، أن يملك اوراق قوة تمكنه من مواجهة برنامج اليمين المتطرف ، وأن تعود القضية الفلسطينية -كما كانت- لقائمة الاهتمام الدولي .
(الدستور)