فلحة العلاقمة

mainThumb
سهم محمد العبادي

22-01-2025 06:46 PM

printIcon


سهم محمد العبادي
القصص الكبرى في وجدان هذا الوطن لا تُصنع على الورق، بل تُولد من تراب الأغوار، من جبالها المطلة على أحلام الفلاحين، والكرامة الخالدة، ومن بساتينها التي تسقيها يد الكدح والصبر. حيث في لواء دير علا، تلتقي بساطة الحياة بعظمة القيم الأردنية، كان جلالة الملك عبدالله الثاني يضيف صفحة جديدة من كتاب الوفاء، مؤكدًا أن القيادة هي قُرب القائد من نبض شعبه.

في الملاحة، تلك الأرض التي تنبت فيها الحكايات البسيطة كزهور برية، وقف الملك بين أبناء شعبه، يتفقد مشروع مساكن الملاحة، ويتابع البرامج التدريبية التي تهدف إلى تمكين شباب الأغوار ونسائها في مركز زها الثقافي. ولم يكن حضوره مجرد زيارة رسمية، بل كان لقاءً يفيض بالإنسانية. كان حضنًا يُعيد للأرض دفأها، وكان رسالة حب تنبض في عيون الناس كما بساتينها الجميلة.

ثم جاءت فلحة العلاقمة، المرأة التي أصبحت اختزالًا لكل حكايا الأردنيات، يدها التي أثقلها العمل، ووجهها الذي حفر فيه الصبر ملامحه، كانا كافيين ليحكيا قصة هذا الوطن. فاستقبلت الملك عند باب بيتها بلهجة صادقة وبعفوية نابعة من أعماق الوجدان الأردني، وطلبت منه أن يدخل بيتها أولًا، بابتسامته الهادئة وإصراره المألوف، قال لها سيدنا: "أنتِ من يدخل بيتكِ أولًا".

كانت تلك اللحظة أشبه بلوحة نُسجت من عبق الأردن، من زهر الأغوار، ومن خضرة بساتينها. فدخلت فلحة بيتها بخجل، لكنها فتحت قلبها للملك الذي جلس معها كما يجلس الابن إلى أمه. لا حواجز، لا رسميات، فقط دفء القيم الأردنية التي تجعل القائد جزءًا من نبض شعبه وتواضع الهاشميين الذي كتبته آل البيت الأطهار منذ الأزل. فحديثها كان بسيطًا وصادقًا، لكنه لامس أعمق معاني الإنسانية، ولم تكن الكلمات وحدها ما نقل المعنى، بل تلك النظرات والابتسامات الصادقة التي تُختزل فيها الحكايات كلها.

فلحة العلاقمة في تلك اللحظة كانت تمثل كل امرأة أردنية، تحمل في قلبها ذات الحب وذات الولاء. وعندما وضعت يدها على كتف الملك، كانت كأنها تضع يدها على قلب الوطن بأسره، تقول للعالم: "هذا ملكنا، هذا الذي لا تفصله عنا أروقة ولا حواجز".

زيارة الملك كانت درسًا عظيمًا في القيادة الحقيقية. القيادة التي تُقاس بقربها من الناس، بمشاركتهم همومهم وأحلامهم، برؤية القائد يجلس على بساط بسيط مع مواطنة أردنية. وأن يأخذ الملك دعاءها كما لو أنه نشيد وطني يعزف من قلبها، هو تجسيد للقيم الأردنية التي لا تبهت مع الزمن.

فلحة العلاقمة، بيديها التي تشبه تربة الأغوار، ووجهها الذي يحكي عن الصبر، أصبحت رمزًا خالدًا لكل ما هو أصيل وجميل في هذا الوطن. فهي ليست مجرد امرأة، بل هي اختصار لوجدان الأردنيات، لجبال الأغوار المطلة على الأمل، لزهرها وبساتينها التي تسقيها الشمس وترويها القلوب. وهي صورة الوطن كما يجب أن يكون: بسيطًا، نقيًا، وعظيمًا في آنٍ معًا.

حفظ الله سيدنا، وأطال عمر "عمتنا" فلحة العلاقمة أم حسن، التي ستبقى رمزًا حيًا لكل القيم الأردنية النبيلة، ولكل ما يجعل هذا الوطن جميلًا وأصيلًا. فقصة فلحة ليست مجرد حكاية عابرة، بل هي صفحة مضيئة في كتاب الوطن، تروي للعالم معنى القيادة المتجذرة في الأرض، والمحبة الممزوجة بالوفاء، وفاء الأردنيين الذي لم يسطر التاريخ مثيلا له.