أخبار اليوم - في قلب النزاع الذي لا ينتهي، يقف الشاب الثلاثيني محمد أبو خضير، الذي فقد كل شيء في قصف إسرائيلي دمر عائلته وأحلامه، بينما يبحث عن أمل بين أنقاض الحياة، تتساقط دموعه على فقدان زوجته وأبنائه الثلاثة، ليظل وحيداً في هذا العالم الواسع.
لكن الأمل لا يزال يراوده، في انتظار اللحظة التي يعود فيها إلى شمال قطاع غزة، لزيارة قبور أحبائه، ونبش رفات ابنته وابنه الثاني اللذان لم يُدفنا بعد.
كان أبو خضير، يعيش حياة بسيطة مع زوجته "ريم" وأطفاله الثلاثة: عبير ٩ سنوات، وسمير ٨ سنوات، وسيف الدين ٥ سنوات، في مخيم الشاطئ، الواقع غرب مدينة غزة، كان حلمه أن يوفر لأسرته حياة مليئة بالسلام والهناء، لكن الحرب غيّرت كل شيء.
ففي إحدى الليالي المظلمة، قرر أن النزوح من مكان سكنه إلى بيت أهل زوجته في منطقة بيت لاهيا لتعرض الجهة الغربية للمدينة للقصف، وتوغل الدبابات الإسرائيلية، عله يوفر الأمن والأمان لعائلته، ويذهب عنهم الخوف الذي عاشوه في الليالي السابقة.
وفي العاشر من شهر نوفمبر لعام ٢٠٢٣، تعرضت المنطقة لعدة غارات جوية إسرائيلية عنيفة، حيث سقط صاروخ على منزل عائلة زوجته، بينما لجأ هو إلى بيت شقيقته، لينجو من الهجوم، لكنه فقد زوجته وأطفاله الثلاثة في لحظاتٍ مرعبة.
يقول أبو خضير لـ "فلسطين أون لاين": "لم يستطع زوج شقيقتي إخباري بالحادثة، واقترح حينها عليّ أن أذهب للاطمئنان على أحوالهم ورافقني، بدأت حينها الشكوك تتسلل إلى قلبي، لكني لم أتوقع أن الفاجعة بهذا الحجم".
ويضيف "القصف دمر كل شيء، وترك محمد وحيدًا، يحاول أن يلتقط أنفاسه، وسط الخراب الذي حل بعائلته".
يتابع "الصدمة كانت كبيرة، كيف يمكن للإنسان أن يتحمل فقدان كل من يحب في لحظة واحدة؟" يقول أبو خضير بنبرة ملؤها الأسى.
وواصل حديثه: "لقد كنت وزوجتي نخطط سويًا لحياتنا ومستقبل أبنائنا الذي كنت أعمل على تربيتهم وأنظر إليهم وهم يكبروا أمام عيني، ولكن كل شيء ذهب بغمضة عين".
ويشير أبو خضير إلى أن حياته كان يقضيها بين عائلته وعمله، فزوجته كانت بالنسبة له كل شيء، حتى أنها كانت عوضًا عن أصدقائه، فهي بمثابة أنيسة للروح، وأبناءه الثلاثة أوجدوا له جوًّا وحياة جميلة، خاصة سيف الدين كانت له معزة خاصة، لتصرفاته التي تفوق عمره، فقد كان يقف في صفوف المصلين كالكبار.
الهروب إلى الجنوب
بعد فقدان عائلته، اضطر محمد للهرب إلى المناطق الأكثر أمانًا جنوبًا كما روج لها الاحتلال، حيث يعيش الآن في مخيم مؤقت لا يعرف إلا القليل عن استقرار الحياة.
ويضيف أبو خضير بنبرة تعكس حجم الألم الذي يملأ قلبه: "أعيش يومًا بيوم، كل لحظة تمر، أتمنى لو كنت في الشمال، حيث كانوا يحيون، فانتظر بفارغ الصبر أن تنتهي الحرب، أول شيء سأفعله هو العودة إلى هناك، حيث دفنت زوجتي وابني، وأبحث عن ابني الآخر وابنتي المفقودَين، لا أستطيع أن أعيش بدونهم، أريد أن أدفنهم في مكان واحد، أن أزور قبورهم، وأن أودعهم كما يجب، هذا حلمي الوحيد الآن".
لكن قلبه ينبض بأمل صغير، أمل العودة، يأمل أن يعود إلى بيته المدمر، ويعيد ترميمه ليعيش بين ذكرياته التي تضج في كل ركن بالبيت، "فلم يعد لي شيء هنا سوى ذكراهم، وذاك المكان الذي بات مكانًا للسلام بالنسبة لي"، وفق حديثه.
أبو خضير لا يزال يواجه صراعًا داخليًا مع الذكريات المؤلمة، بينما يترقب اللحظة التي يحقق فيها أمله الأخير، ويبقى سؤاله عن موعد توقف هذا الألم وعن أفق الأمل الذي قد يظهر بعد سنوات من العذاب.
المصدر / فلسطين أون لاين