أخبار اليوم - في خيمة صغيرة بمنطقة دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس الطفلة تالا التركماني (13 عامًا) على سرير متواضع محاط بكتبها ودفاترها. هذه الفتاة التي نزحت مع أسرتها من غزة إلى رفح، ثم إلى خان يونس، قبل أن تستقر أخيرًا في خيمة بدير البلح، عانت من رحلة طويلة مليئة بالمآسي.
تعيش تالا اليوم حياة صعبة كنازحة ومريضة تعاني من الشلل الرباعي بسبب التهابات في النخاع الشوكي، حيث أصيبت بهذا المرض قبل عدة أشهر بعدما شعرت بآلام شديدة في الرأس والظهر.
تقول والدتها صفاء التركماني (35 عامًا) لـ "فلسطين أون لاين": "تالا كانت طفلة نشيطة، تقضي وقتها في القراءة وحفظ القرآن. كان صوتها جميلًا، وكانت تقرأ لنا في المساء لتخفف عنا تعب اليوم".
بصوت خافت مليء بالحزن، تضيف تالا: "كنت أحب أن أقرأ القرآن بصوت عالٍ وأسمع والدتي تقول لي إن صوتي جميل. الآن، بالكاد أستطيع أن أجلس وأمسك المصحف بين يديّ".
رحلة البحث عن العلاج
في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، كانت الصدمة الأولى للعائلة. تروي صفاء: "وضعوا تالا على الأرض لأنه لم تكن هناك أسرّة شاغرة، وقالوا إنهم يمنحون الأولوية في العلاج لجرحى الحرب أصحاب الإصابات الصعبة".
بعد ساعات من الانتظار، أخبر الأطباء العائلة أن حالة تالا تحتاج إلى علاج متخصص غير متوفر في المستشفى. اضطرت العائلة لنقلها إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس في رحلة شاقة بسيارة أجرة. تقول صفاء: "كانت تالا تصرخ من الألم طوال الطريق، ولم أكن أملك سوى الدعاء لها".
تعلق تالا على تلك الرحلة: "كنت أشعر أن قلبي يحترق من الألم، لكنني كنت أدعو الله بصوت داخلي أن يخفف عني وأن أصل إلى مكان أجد فيه الراحة".
عادت تالا مع عائلتها إلى خيمة بدير البلح بعد أن أخبرهم الأطباء أن علاجها مستحيل داخل غزة. تعيش العائلة اليوم في ظروف صعبة بلا كهرباء أو ماء نظيف. تقول صفاء: "تحتاج تالا إلى رعاية خاصة، لكنها تعيش في خيمة بلا أي تجهيزات. حتى حمام الخيمة غير ملائم، ما يزيد معاناتها".
بين الألم والأمل
تالا، التي كانت تستمتع بقراءة القرآن بصوت عذب، أصبحت تقضي وقتها بين آلام المرض وصوت القرآن الذي يملأ خيمتها. تقول: "عندما أقرأ القرآن، أشعر أنني أقوى. أشعر أن الله يسمعني وسيساعدني على تجاوز هذه المحنة".
على الرغم من الألم الذي تعيشه، لا تزال تالا صامدة. تقول صفاء: "حتى الآن، لا يمكننا فعل أي شيء سوى انتظار فتح معبر رفح. الأطباء قالوا إن تالا تحتاج إلى علاج عاجل في الخارج، لكن الحصار يمنعنا من السفر"
تدرك تالا صعوبة وضعها، وتقول: "أحيانًا أسأل نفسي: لماذا أنا؟ لكنني أعود وأقول: ربما هذا امتحان من الله، وأعلم أن الصبر سيجلب الخير".
وتضيف: "كل ما أتمناه الآن هو أن أستطيع المشي مرة أخرى. أريد أن أعود لحياتي، وأريد أن أساعد أمي في الخيمة، وأن أعيش طفولتي كما جميع أطفال العالم".
نداء استغاثة
اليوم، تقضي تالا أيامها ولياليها في خيمة تنتظر الفرج. تعيش على أمل أن تُفتح أبواب معبر رفح، ليس فقط للهرب من الألم، ولكن لتعود إلى حياتها الطبيعية وتواصل حفظ القرآن بصوتها العذب.
تقول صفاء، وهي تنظر إلى ابنتها بحزن: "تالا كانت حلمي. كنت أتمنى أن أراها تكبر وتصبح ذات شأن كبير. الآن، كل ما أتمناه أن تتلقى العلاج وأن أراها تقف على قدميها مرة أخرى".
تختتم تالا حديثها قائلة: "أنا أدعو كل يوم. أقول في دعائي: يا رب، أخرجني من هذه الخيمة. يا رب، اجعلني أستطيع المشي مرة أخرى. أريد أن أعيش".
وفقًا لوزارة الصحة في غزة، هناك أكثر من 20,000 جريح ومريض ينتظرون فتح معبر رفح لمغادرة القطاع لتلقي العلاج، بما في ذلك مرضى السرطان والقلب وأمراض الدم. في حين تشير تقارير أخرى إلى أن العدد قد يصل إلى 40,000 حالة مرضية عالقة على المعبر.
يُذكر أن إغلاق المعبر يحرم هؤلاء المرضى من الوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية، مما يفاقم معاناتهم ويعرض حياتهم للخطر.
المصدر / فلسطين أون لاين