"صدمةُ العمر" .. الشَّاب "فضل" شاهد على إبادة عائلته بالنُّصيرات

mainThumb
"صدمةُ العمر".. الشَّاب "فضل" شاهد على إبادة عائلته بالنُّصيرات

07-01-2025 02:20 PM

printIcon

أخبار اليوم - دقيقة واحدة هي الفاصل بين الحياة والموت في ليلة اهتز فيها فضل النادي (19 عاما) أمام "صدمة العمر" بمخيم النصيرات، عندما نجا هو وأبادت مجزرة إسرائيلية عائلته عن بكرة أبيها، دون سابق إنذار.

كان فضل في الطابق الثالث من عمارة عائلته شمال المخيم، قبل أن يتصل به ابن عمه الذي يسكن في الطابق الرابع لينزلا إلى الدور الأول ويدردشا في موضوع ما، وفور التقائهما انهار الطابقان العلويان إثر غارة جوية إسرائيلية.

إنه كابوس حقا، هكذا يبدو الأمر لفضل الذي ترتسم أوجاع الفاجعة على ملامح وجهه، راويا لصحيفة "فلسطين" أنه في تلك الليلة كان يتواجد في بيت أهله رغم أنه يقيم في مركز إيواء بسبب النزوح القسري المتكرر لعائلته التي خاطرت بالعودة لمنزلها وسط ظروف العدوان القاهرة.

"يومها اتصلت بي أمي وقالت لي: اشتقتلك، ولم أكن غبت عنها سوى يوم واحد، هرولت إليها وجلست مع أهلي، وطلب مني أخي الصغير شيقلا فأعطيته خمسة شواقل له ولأخينا الأصغر حمودة"، يستعيد فضل شريط الأحداث.

بصعوبة يتمكن الشاب من استيعاب حجم الكارثة ويشده الحنين إلى أمه، موضحا أنه طلب منها في تلك الليلة تحضير الطعام، فقالت له: توضأ وصل العشاء والتق بابن عمك تجده جاهزا.

لكن ما وجده جاهزا ليس سوى الموت الذي اختطف أمه وأباه وأخواه الطفلان وثلاثة من أخواته وزوج أخته وأسرة عمه التي محيت من السجل المدني، في السادس من ديسمبر/كانون الأول.

وفي التاريخ نفسه لكن من العام الماضي استشهدت زوجة أحد أعمامه، وكأنه بات موعدا سنويا لوقوع الفاجعات.

يحاول إبراز صوته الذي يخنقه الألم، ويتابع: "وقعت الغارة بعد ثوان فقط من نزولي مع ابن عمي للطابق الأول، ولو تأخرنا دقيقة لاستشهدنا أنا وهو أيضا، لكننا أنقذنا بعضنا بالصدفة".

استهدفت الغارة عند الثامنة مساء مبنى مجاورا لكن شدة الصواريخ أصابت عمارة عائلته أيضا التي لا يفصلها عنه سوى جدار وأدت لوقوع واحدة من أبشع مجازر الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كان فضل أول من انتشل من بين الردم وألواح الزينكو مصابا، سارع للصعود إلى بيت أهله فوجد الطابق الرابع قد انهار على الثالث.

نزل إلى الشارع، صرخ بأقصى قوة، نادى الناس لينقذوا عائلته، هرع من يستطيع منهم إلى المكان، وجد واحدة فقط من أخواته حية لكنها مصابة مع ابن أخته الكبرى التي كانت وقت وقوع الغارة تعالج طفلها الآخر في المستشفى بسبب ارتفاع درجة حرارته.

أما والدته فعثر عليها شهيدة على سطح منزل الجيران، وهو ما مثل له "أكبر صدمة" في حياته.

وقذفت شدة الغارة أباه لمسافة تبعد عشرات الأمتار، ووجد وقد فارق الحياة أيضا.

وصلت جثامين الشهداء إلى مستشفى العودة في النصيرات بينما كان هو يتلقى الإسعافات الأولية.

"لقيتهم جايبين أمي وإخوتي مستشهدين (...) الله يرحمهم"، هي لحظة تسارعت فيها نبضات قلبه، وسيطرت عليه مشاعر الحزن.

بهذه المصيبة، انتهت حياة أسرته التي وقعت تحت وطأة ضيق العيش مع حرب التجويع والتعطيش والنزوح القسري ومعاناة طفلها محمد من الالتهابات في صدره التي كانت تستدعي سفره لتلقي العلاج دون أمل مع الاحتلال الإسرائيلي للجانب الفلسطيني من معبر رفح متنفس الغزيين الوحيد للخارج منذ مايو/أيار.

وقضت الحرب كذلك على حلمه بالالتحاق بكلية الشرطة، وأضاعت سنة ويزيد من عمره في غياهب التشتت.

يتشح وجه شقيقته مع طفلها الناجي من المجزرة "علوش" بالسواد حدادا على عائلتها وأحلامها في عيش آمن معها ومع زوجها الذي لجأ إلى منزل أهلها بعد قصف بيته، لكنه قضى في الغارة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها العائلة للعدوان، فقد أصيب أفرادها سابقا بشظايا صواريخ إسرائيلية.

الآن وقد استشهدت العائلة، يجد فضل المكلوم نفسه مسؤولا وسندا لأختين؛ إحداهما مصابة والأخرى باتت أرملة شهيد مع طفليها، بلا مأوى ولا مأمن ولا سبل للحياة مع استمرار حرب الإبادة.

يستجمع بقايا قوته وطاقته المنهكتين، ليسير معهم في حاضر معتم، نحو مستقبل مجهول.