حسين الرّواشدة
أمام ادارات الدولة فرصة ثمينة لإنعاش شبابنا، وإخراجهم من حلبة الفراغ ، والانشغال بتبادل اللوم والشكوى على وسائل التواصل الاجتماعي ، ثم إعادة انتظامهم في صفوف الانتماء للبلد ، والتصاقهم بترابهم الوطني ، هذه الفرصة هي :"خدمة العلم "، وحدها المؤسسة العسكرية التي تحظى بثقة الأردنيين من يستطيع أن يصنع حالة "لم الشمل " من خلال بناء الشباب الأردني ، وإحياء همتهم، وتهذيب سلوكهم ، وتمكينهم من الانخراط بمؤسساتهم الوطنية ، بروح عالية من المسؤولية والعمل والإخلاص.
إعادة "خدمة العلم "في هذا التوقيت بالذات ، اصبحت ضرورة وطنية ، أعرف أن هذا المشروع كان قد اقرّ من الحكومة السابقة (حكومة د.عمر الرزاز )، وفق خطة تبنت ، آنذاك ،التركيز على التربية الوطنية ، وترسيخ الثوابت الاردنية ، وبناء المهارات الحياتية والمهنية لدى الشباب ، لكن جائحة كورونا حالت دون تنفيذها ، اليوم تجاوزنا الجائحة، لكننا أمام " جوائح" أخطر تهدد أمننا الوطني، سواء على صعيد الداخل او الخارج ، تفاصيلها معروفة للجميع ، و أفضل ما يمكن أن نواجهها به ، هو إعادة خدمة العالم.
لكي تكون خدمة العلم مطلبا وطنيا ، لا مجرد قرار رسمي ، لابد أن نتوافق على مسألتين، الأولى: أن هذه الخدمة هي أقصر طريق لاستعادة ثقة الأردنيين بأنفسهم ودولتهم ومجتمعهم ، فهي رمز "للشرف الوطني "، ودليل على عافية "المواطنة "، ورسالة مهمة لكل الأردنيين بأنهم مسؤولون عن حماية بلدهم ، والدفاع عنه ، وشركاء في بنائه ، ومستأمنون على حاضره ومستقبله ، رسالة خدمة العلم للداخل تتزامن مع ما يشهده بلدنا من انكفاءات وتراجعات وانسحابات نعاني منها في إطار اهم فئة ، وهي الشباب ، وتلك ،بالطبع ،مؤشرات سلبية تحتاج إلى روافع وطنية لتجاوزها ، وخدمة العالم أهم هذه الروافع.
اما المسألة الثانية ، فهي أننا نواجه أخطارًا تتعلق بوجودنا كدولة، أبرزها التحدي الذي يفرضه الاحتلال ، ناهيك عن أوضاع المنطقة ، وما تحفل به من مخاضات غياب الأمن وعدم الاستقرار ، خدمة العلم ستبعث برسالة واضحة وقويه أننا جاهزون للتصدي لهذه التحديات ،ولدينا خطوط حمراء لا نسمح لأحد أن يتجاوزها، الدولة الأردنية أقوى مما يتصور الكثيرون، وهي قادرة ، متى استجمعت عناصر قوتها وأحييت الهمة والأمل بطاقاتها الشابة، على إعادة واقعة "الكرامة " ، المعركة والمشروع معا، من جديد ، والانتصار على من يختبر حدود صبرها، مهما كانت التضحيات .
للتذكير ، قبل نحو 47 عاما(1976) صدر قانون خدمة العلم ، وفقا لنظام التجنيد الإجباري ،وتم تعديله العام (1986)، واستمر العمل به حتى عام 1991، ومنذ ذلك العام ، تم إيقاف العمل به ، ثم جرى إعادة تفعيل القانون ،مع بعض التعديلات على مدة الخدمة وأهدافها عام 2019 ، بهدف مواجهة البطالة وبناء الانتماء الوطني ، ولم ينفذ، الآن يبدو أننا بحاجة إلى إعادة النظر بالقانون ، لكي يتناسب مع ضروراتنا الداخلية والخارجية ، فخدمة العلم -كما قال الحسين طيب الله ثراه - هي إعلان عن اقصى انواع الولاء للوطن ،من خلالها يتعلم أبناؤنا معاني الجندية والإخلاص والتضحيه ، والانضباط والبسالة، ودون هذه المعاني لا تقوم لمجتمع قائمة ،ولا تنشأ حضارة ، ولا تتكون أمه.
الآن، أمام حكومة الدكتور بشر الخصاونة ،فرصة كبيرة وثمينه لاستدعاء هذه الخدمة الوطنية ، ليس ،فقط ، للرد على الأعاصير التي تواجه بلدنا من الخارج ( للعلم وافقت حكومة الاحتلال قبل ايام على تشكيل "الحرس الوطني "الذي يتكون من متطوعين وعناصر امن وجنود سابقين ، كجائزة لرئيس حزب "القوة اليهودية " المتطرفة بن غفير ) ، وإنما لبناء جبهة اردنية موحدة ومتماسكة ، وضخ الدماء الجديدة في منظومتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وإعادة تذكير أبنائنا بقيمنا وعناصر قوتنا ، و تدريبهم في مدرسة البطولة ،التي تخرج فيها آباؤهم وأجدادهم .
باختصار ، إعادة خدمة العالم أفضل هدية يمكن أن يقدمها الرئيس الخصاونة للأردنيين ،في هذا الشهر المبارك ،هل سيفعلها ؟أعتقد ذلك.