المتلونون ينجون والثابتون يُقصَون

mainThumb
سهم محمد العبادي

01-01-2025 10:52 PM

printIcon

سهم محمد العبادي

في هذا الزمان الذي أصبحت فيه المبادئ أقنعة قابلة للإزالة، يبرز المتلونون كأبطال اللحظة، يتقنون فن التكيف مع كل موقف وتبديل مواقفهم بمرونة تحسدها عليهم الرياح.

هؤلاء لا يعرفون الثبات، ولا يحملون همًّا أخلاقيًا تجاه قناعاتهم. إنهم كأوراق الشجر في عاصفة، يتحركون أينما دفعتهم الرياح، لا يفكرون إلا في البقاء على السطح بأي ثمن.

ما يثير السخرية أن الحظ يرافقهم، كأنهم محصنون من العقاب. في كل أزمة، يخرجون منها سالمين، بل أقوى مما دخلوا.
لا يهمهم إن كانوا بالأمس في صف ما، واليوم في صف خصمه، لأن القواعد الأخلاقية لديهم متغيرة بحسب الظروف. يعيشون على موائد المصالح، يبيعون المبادئ في سوق النفاق، ويشترون النفوذ بأي ثمن.

في المقابل، هناك الثابتون على مواقفهم، الذين يرفضون الانحناء لرياح المصالح أو خيانة قناعاتهم. هؤلاء الذين يحملون المبادئ كأنها جزء من كيانهم، يدفعون أثمانًا باهظة لمواقفهم.

الثبات على الحق، في زمن كهذا، يُعد تهمة أكثر منه فضيلة. الثابتون غالبًا ما يجدون أنفسهم على هامش الحياة، يُقصَون لأنهم يهددون استقرار الزيف، ويعكرون صفو النفاق.

لكن الغريب في هذه المفارقة أن الثابتين، رغم تهميشهم، هم من يتركون الأثر الحقيقي. مواقفهم تبقى راسخة في الذاكرة الجماعية، تُلهم الآخرين حتى بعد رحيلهم.

إنهم النور الذي يفضح ظلام المتلونين، ومع ذلك، يجدون أنفسهم عرضة للخذلان من مجتمعات تُفضل التصفيق للمتلونين خوفًا أو مصلحة.

النفاق قد يكون جسرًا للعبور، لكنه لا يصنع مجدًا حقيقيًا. وعندما تنقشع غمامة الزيف، لا يبقى سوى الحقائق الواضحة التي كان الثابتون يدافعون عنها. هؤلاء الذين آمنوا أن المبادئ ليست مجرد كلمات تُقال، بل أفعال تترك أثرًا. أما المتلونون، فلن يكونوا سوى ذكرى عابرة، كالزبد الذي يتلاشى على وجه البحر، بلا أثر حقيقي في صفحات الزمن.

في نهاية الأمر، يبقى السؤال: هل نحن كمجتمع نملك الشجاعة لنقف مع الثابتين، أم أننا سنبقى نُصفق للمتلونين، حتى نُصبح مثلهم؟