د. سلطان إبراهيم العطين
منذ توليه عرش المملكة الأردنية الهاشمية، قدم الملك عبد الله الثاني نموذجاً فريداً للقائد الذي يضع شعبه على رأس أولوياته، ويسعى بكل حكمة واقتدار لحماية الأردن وتعزيز استقراره. في ظل التحديات التي عصفت بالمنطقة خلال العقود الماضية، أثبت الملك أن القيادة الحقيقية ليست مجرد إدارة للأزمات، بل استباق لها برؤية متكاملة وشاملة تهدف إلى بناء وطن قوي ومستقر يتسع لجميع أبنائه.
تعتبر زيارات الملك للمحافظات جزءاً لا يتجزأ من منهجه القيادي. هذه الزيارات ليست مجرد إجراء شكلي، بل تعكس حرص الملك على الوقوف شخصياً على احتياجات الأردنيين، وسعيه الدائم لتقديم حلول ملموسة ترفع من مستوى معيشتهم. الملك عبد الله، من خلال هذه الجولات، يؤكد أن القيادة ليست بعيدة عن الناس، بل هي جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، تفهم آمالهم وتستجيب لتطلعاتهم.
هذه العلاقة المباشرة بين الملك وشعبه تجسد معنى الثقة المتبادلة، حيث يرى الأردنيون في قائدهم شخصية تسعى بلا كلل لضمان استقرار البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية. إنها علاقة مميزة تترجم صدق المشاعر التي يكنها الأردنيون للملك، والتي ظهرت بوضوح في لحظات الأزمات الوطنية والإقليمية، حيث يلتف الشعب حول قيادته بثقة وإيمان.
يشكل الاحتفال باليوبيل الفضي لتولي الملك عبد الله الثاني العرش محطة تاريخية تعكس حجم الإنجازات التي تحققت في عهد جلالته. خلال هذه السنوات، تمكن الملك من قيادة الأردن بحكمة وسط منطقة ملتهبة بالصراعات والأزمات السياسية. وبفضل رؤيته الاستراتيجية، استطاع الأردن أن يحافظ على استقراره السياسي والاقتصادي، وأن يظل واحة للأمان في محيط مضطرب.
الملك عبد الله لم يكتفِ بمواجهة التحديات الآنية، بل كان سباقاً في طرح إصلاحات شاملة تعزز من مكانة الأردن داخلياً وخارجياً. فبينما تعاني دول عديدة في المنطقة من الانقسامات، وضع الملك رؤية واضحة للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، رافعاً شعار التحديث الذي يسبق رغبة الشارع، ليضع الأردن في مصاف الدول المتقدمة بثقة وقوة.
على الصعيد الدولي، انتهج الملك عبد الله الثاني أسلوباً دبلوماسياً مستمداً من إرث والده، الملك الحسين بن طلال، الذي عرف بحكمته وحنكته السياسية. استمر الملك عبد الله في ترسيخ مكانة الأردن كدولة تعتمد على الحوار والاعتدال، وتجيد بناء العلاقات المتوازنة مع جميع الأطراف.
بفضل هذا النهج، أصبح الأردن وسيطاً معترفاً به في حل النزاعات الإقليمية، وداعماً رئيسياً للقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لم يتوقف الملك عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية، مؤكداً أن الأردن سيبقى الحامي للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. هذا الدور عزز مكانة الأردن على الخريطة العالمية كدولة تعتمد على الحكمة والاعتدال في وقت يغلب فيه التصعيد والتوتر.
العلاقة بين الأردنيين والنظام الهاشمي هي علاقة استثنائية مبنية على التسامح والوحدة الوطنية. هذه العلاقة، التي توارثها الهاشميون منذ تأسيس الدولة، لم تكن يوماً علاقة قائمة على القمع أو الإقصاء، بل على التفهم والاحتواء. لقد حرص الملك عبد الله على ترسيخ هذا النهج من خلال سياسات تتسم بالشمولية والعدالة، ما عزز من استقرار الأردن في وقت كانت فيه دول الجوار تعاني الحروب والانقسامات.
النظام الهاشمي أثبت أن الشرعية الحقيقية للقيادة لا تأتي بالقوة، بل من احترام الشعب وخدمته. هذا العقد الاجتماعي جعل الأردن نموذجاً فريداً في المنطقة، حيث يعيش الشعب تحت قيادة تحترم إرادته، وتعمل على تحقيق تطلعاته، دون المساس بالثوابت الوطنية التي تحفظ وحدة الوطن واستقراره.
رغم التحديات العديدة التي واجهها الأردن خلال العقود الماضية، استطاع الملك عبد الله الثاني أن يقود البلاد إلى بر الأمان، ويعزز مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية. زياراته للمحافظات، سياسته الإصلاحية، ودوره الدبلوماسي، كلها شواهد على قيادة استثنائية تضع مصلحة الأردن وشعبه فوق كل اعتبار.
إن مرور 25 عاماً على تولي الملك عبد الله الثاني العرش ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هي دعوة إلى التأمل في المسيرة الحافلة بالإنجازات، والتطلع إلى مستقبل واعد بقيادة حكيمة تستمد قوتها من إرث عريق وإيمان راسخ بوطن يستحق الأفضل.