أخبار اليوم - عواد الفالح - في سياق سياسي محتدم يسعى الأردن فيه إلى ترسيخ إصلاحات سياسية جذرية، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الأسبق العين سمير الرفاعي في محاضرته بمعهد الإعلام الأردني كجرس إنذار للأحزاب السياسية، واضعاً التحديث السياسي في دائرة الضوء بين الطموح الملكي للإصلاح والتحديات المرتبطة بالتطبيق العملي.
التحديث السياسي.. رؤية طموحة تصطدم بالتطبيق
أشاد الرفاعي بمنظومة التحديث السياسي التي وصفها بأنها تشكل نقطة تحول في المسار الديمقراطي الأردني، مؤكداً أنها تمثل رؤية متكاملة تهدف إلى تحقيق شراكة سياسية أوسع وخلق بيئة حزبية قادرة على إفراز حكومات برلمانية.
وأضاف أن المنظومة جاءت استجابة مباشرة لتوجيهات ملكية حملت طموحاً كبيراً لدفع العملية السياسية نحو مزيد من الانفتاح، عبر تطوير قوانين انتخابية وحزبية حديثة تعكس الواقع الأردني وتطلعات المواطنين.
الخلل في التطبيق.. الأحزاب تحت المجهر
ورغم الإشادة بالمنظومة، فإن الرفاعي لم يتردد في الإشارة إلى مواطن الخلل التي برزت مع أول اختبار لها في الانتخابات الأخيرة، حيث أكد أن المشكلة ليست في القوانين الجديدة، بل في طريقة تطبيقها، وخصوصاً الأداء الحزبي الذي وصفه بأنه لا يزال دون مستوى التحديات.
وانتقد الرفاعي بشدة ممارسات بعض الأحزاب، التي وصفها بأنها تفتقر إلى البرامج الواقعية والرؤية الواضحة، متهماً إياها بالانشغال بالصراعات الداخلية و"المناورات السياسية" بدلاً من تقديم حلول حقيقية تعالج هموم المواطن.
وأشار إلى أن ممارسات مثل بيع المقاعد وتوزيعها على أساس الوساطة والمحسوبية لا تمت بصلة إلى روح التحديث السياسي، معتبراً أن هذه السلوكيات تهدد بإفراغ المنظومة الجديدة من مضمونها.
الأحزاب والانتخابات.. إخفاق في تحقيق الطموح
تطرق الرفاعي إلى مخرجات الانتخابات النيابية الأخيرة، مشيراً إلى أنها لم تعكس الطموح الذي رسمته القوانين الجديدة، وأوضح أن الأحزاب التي كان من المفترض أن تتصدر المشهد لم تنجح في تحقيق اختراق حقيقي، خاصة في القوائم الوطنية، وهو ما يعكس ضعفاً في القدرة على التواصل مع الشارع وإقناع الناخبين.
وشدد على أن تشكيل كتل برلمانية كبيرة لا يعني بالضرورة نجاحاً حزبياً، داعياً إلى مراجعة شاملة للأداء الحزبي والعمل على معالجة الأخطاء خلال الفترة المقبلة.
المال السياسي.. عقبة أمام النزاهة
سلط الرفاعي الضوء على تحديات المال السياسي، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تمثل خطراً كبيراً على نزاهة العملية الانتخابية، ورغم وجود تعديلات دستورية تهدف إلى الحد من تأثير المال السياسي، إلا أن تطبيق هذه القوانين لا يزال يواجه صعوبات كبيرة، ما يضعف ثقة المواطن في العملية السياسية برمتها.
دعوة إلى إصلاح داخلي في الأحزاب
أكد الرفاعي أن إصلاح الأحزاب من الداخل هو مفتاح النجاح في تطبيق منظومة التحديث، ودعا الأحزاب إلى إجراء انتخابات داخلية نزيهة لاختيار قياداتها، وتعزيز مشاركة الشباب والمرأة، مشيراً إلى أن تغييب هذه الفئات يعمق فجوة الثقة بين الأحزاب والشارع الأردني.
كما دعا إلى إشراك النقابيين والفئات الشعبية الأخرى في العمل الحزبي، مؤكداً أن الأحزاب يجب أن تتحول إلى مؤسسات جماعية تمثل كافة شرائح المجتمع، بدلاً من أن تكون منصات نخبوية مغلقة.
التحديث الاقتصادي والتعليم.. أبعاد موازية
وربط الرفاعي بين التحديث السياسي والاقتصادي، مشيراً إلى أن نجاح العملية السياسية لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح اقتصادي شامل يعالج اختلالات السوق، ويوفر فرص العمل.
وشدد على ضرورة تعزيز التعليم المهني والتقني كجزء من الحل، داعياً إلى سياسات اقتصادية تركز على تعزيز الاعتماد على الذات وتقوية المناعة الوطنية.
تحليل سياسي.. فرصة تاريخية للتغيير
إن تصريحات سمير الرفاعي تضع الأحزاب السياسية أمام مسؤولية كبيرة. فرغم وجود منظومة تحديث طموحة ومتكاملة، فإن تحقيق أهدافها يتطلب التزاماً حقيقياً من كافة الأطراف.
يرى مراقبون أن ما يحدث الآن هو مفترق طرق؛ إما أن تنجح الأحزاب في استيعاب مضامين التحديث والعمل بجدية على إصلاح ذاتها، أو أن تبقى أسيرة للأخطاء القديمة التي أفقدتها ثقة الشارع.
اختبار حقيقي
إن رسالة الرفاعي تحمل بين طياتها إشادة بمنظومة التحديث السياسي، لكنها في الوقت نفسه تحذر من أن التطبيق الخاطئ قد يفرغ هذه المنظومة من مضمونها.
الأردن اليوم أمام فرصة تاريخية لترسيخ ديمقراطية حقيقية ومؤسسات حزبية قوية، لكن تحقيق ذلك يعتمد على إرادة وطنية جماعية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
فهل تستجيب الأحزاب لهذا الجرس السياسي؟ أم أن المشهد سيبقى عالقاً في دائرة الأخطاء المتكررة؟ الإجابة ستحدد ملامح المرحلة المقبلة.